للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الصحيحين: "إن أهل عليين ليرون من فوقهم كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء لتفاضل ما بينهم"، قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء، قال: "بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين" (١).

وفي السنن: "وإن أبا بكر وعمر لمنهم وأنعما" (٢).

وقوله: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ أي: إقامة، وهي بدل من الدرجات العلى ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين أبدًا ﴿وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾ أي: طهر نفسه من الدنس والخبث والشرك، وعبد الله وحده لا شريك له، واتبع المرسلين فيما جاؤوا به من خبر وطلب.

﴿وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى (٧٧) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ (٧٨) وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى (٧٩)﴾.

يقول تعالى مخبرًا أنه أمر موسى حين أبى فرعون أن يرسل معه بني إسرائيل أن يسري بهم في الليل، ويذهب بهم من قبضة فرعون، وقد بسط الله هذا المقام في غير هذه السورة الكريمة، وذلك أن موسى لما خرج ببني إسرائيل أصبحوا وليس منهم بمصر لا داعٍ ولا مجيب، فغضب فرعون غضبًا شديدًا، وأرسل في المدائن حاشرين؛ أي من يجمعون له الجند من بلدانه ورساتيقه (٣)، يقول: ﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (٥٤) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (٥٥)[الشعراء]، ثم لما جمع جنده واستوسق (٤) له جيشه، ساق في طلبهم ﴿فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ (٦٠)[الشعراء] أي: عند طلوع الشمس ﴿فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ﴾ أي: نظر كل من الفريقين إلى الآخر ﴿قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (٦٢)[الشعراء] ووقف موسى ببني إسرائيل البحر أمامهم، وفرعون وراءهم، فعند ذلك أوحى الله إليه ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا﴾ فضرب البحر بعصاه، وقال: انفلق عليَّ بإذن الله ﴿فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ [الشعراء: ٦٣] أي: الجبل العظيم، فأرسل الله الريح على أرض البحر فلفحته حتى صار يبسًا كوجه الأرض، فلهذا قال: ﴿فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا﴾ أي: من فرعون ﴿وَلَا تَخْشَى﴾ يعني: من البحر أن يغرق قومك،

ثم قال تعالى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ﴾ أي: البحر ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ أي: الذي هو معروف ومشهور، وهذا يقال عند الأمر المعروف المشهور، كما قال تعالى: ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (٥٣) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (٥٤)[النجم] وقال الشاعر:

أنا أبو النجم وشعري شعري

أي الذي يعرف، وهو مشهور. وكما تقدم فرعون فسلك بهم في اليم فأضلَّهم وما هداهم إلى


(١) صحيح البخاري، بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة (ح ٣٢٥٦)، وصحيح مسلم، الجنة وصفة نعيمها، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف (ح ٢٨٣١).
(٢) أخرجه أبو داود من طريق عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا مختصرًا (السنن، الحروف والقراءات (ح ٣٩٨٧)، وسنده ضعيف لضعف عطية العوفي، وأخرجه ابن ماجه من الطريق نفسه (السنن، المقدمة، باب فضائل أصحاب رسول الله ح ٩٦)، وسنده ضعيف كسابقه.
(٣) أي: القرى.
(٤) أي: اجتمع.