للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

آل فرعون، فخذ لنا بحقنا ولا ترخص لهم، فقال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه، فإن الملك وإن كان صَغوه (١) مع قومه لا يستقيم له أن يقيد (٢) بغير بينة ولا ثبت (٣)، فاطلبوا لي علم ذلك آخذ لكم بحقكم، فبينما هم يطوفون لا يجدون ثبتًا إذا بموسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يقاتل رجلًا من آل فرعون آخر، فاستغاثه الإسرائيلي على الفرعوني فصادف موسى فندم على ما كان منه وكره الذي رأى، فغضب الإسرائيلي وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ [القصص: ١٨]، فنظر الإسرائيلي إلى موسى بعد ما قال له ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس الذي قتل فيه الفرعوني، فخاف أن يكون بعد ما قال له: ﴿إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ﴾ أن يكون إياه أراد، ولم يكن أراده إنما أراد الفرعوني، فخاف الإسرائيلي وقال: يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس، وإنما قاله مخافة أن يكون إياه أراد موسى ليقتله، فتتاركا وانطلق الفرعوني، فأخبرهم بما سمع من الإسرائيلي من الخبر حين يقول: ﴿يَامُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ [القصص: ١٩] فأرسل فرعون الذباحين ليقتلوا موسى، فأخذ رسل فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هينتهم (٤) يطلبون موسى وهم لا يخافون أن يفوتهم، فجاء رجل من شيعة موسى من أقصى المدينة، فاختصر طريقًا حتى سبقهم إلى موسى فأخبره، وذلك من الفتون يا ابن جبير.

فخرج موسى متوجهًا نحو مدين ولم يلق بلاء قبل ذلك، وليس له بالطريق علم إلا حسن ظنه بربه ﷿، فإنه قال: ﴿عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ [القصص: ٢٢، ٢٣] يعني بذلك: حابستين غنمهما، فقال لهما: ما خطبكما معتزلتين لا تسقيان مع الناس؟ قالتا: ليس لنا قوة نزاحم القوم وإنما نسقي من فضول حياضهم فسقى لهما فجعل يغترف في الدلو ماء كثيرًا حتى كان أول الرعاء (٥)، فانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما، وانصرف موسى فاستظل بشجرة وقال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] واستنكر أبوهما سرعة صدورهما بغنمهما حفلًا بطانًا (٦)، فقال: إن لكما اليوم لشأنًا، فأخبرتاه بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه، فأتت موسى فدعته، فلما كلمه قال: لا تخف نجوت من القوم الظالمين ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطان، ولسنا في مملكته، فقالت إحداهما: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦] فاحتملته الغيرة على أن قال لها: ما يدريك ما قوته وما أمانته؟ فقالت: أما قوته فما رأيت منه في الدلو حين سقى لنا، لم أر رجلًا قط أقوى في ذلك السقي منه، وأما الأمانة فإنه نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصت له، فلما علم أني امرأة صوب رأسه (٧) فلم يرفعه حتى بلغته رسالتك، ثم قال لي: امشي خلفي وانعتي لي الطريق، فلم يفعل هذا إلا وهو أمين، فسري عن أبيها وصدقها وظن به الذي قالت، فقال له: هل لك ﴿أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ


(١) أي: ميله.
(٢) من القود: وهو القصاص.
(٣) أي: الحجة.
(٤) أي: يمشون على رسلهم.
(٥) جمع راعي.
(٦) أي: ممتلئة الضرع والبطون.
(٧) أي: خفض رأسه.