للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة أن النبي قال: "يرحم الله زكريا وما كن عليه من وراثة ماله، ويرحم الله لوطًا إن كان ليأوي إلى ركن شديد" (١).

وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا جابر بن نوح، عن مبارك هو: ابن فضالة، عن الحسن قال: قال رسول الله : "رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب" (٢). وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح، والله أعلم.

وقوله: ﴿وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ أي: مرضيًا عندك وعند خلقك، تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.

﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (٧)﴾.

هذا الكلام يتضمن محذوفًا وهو أنه أجيب إلى ما سأل في دعائه، فقيل له: ﴿يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ﴾ كما قال تعالى: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٨) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩)[آل عمران].

وقوله: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ قال قتادة وابن جريج وابن زيد: أي لم يسم أحد قبله بهذا الاسم (٣)، واختاره ابن جرير .

قال مجاهد: ﴿لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾ أي: شبيهًا (٤)، [وأخذه من معنى قوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ أي شبيهًا] [مريم: ٦٥] (٥).

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: أي لم تلد العواقر قبله مثله (٦).

وهذا دليل على أن زكريا كان لا يولد له، وكذلك امرأته كانت عاقرًا من أول عمرها، بخلاف إبراهيم، وسارة ، فإنهما إنما تعجبا من البشارة بإسحاق لكبرهما لا لعقرهما، ولهذا قال: ﴿أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ﴾ [الحجر: ٥٤] مع أنه كان قد ولد له قبله إسماعيل بثلاث عشرة سنة، وقالت امرأته: ﴿قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢)


(١) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده مرسل لكن له أصل في الصحيحين، فقد أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب ﴿وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ. . .﴾ [الأعراف: ٨٠] ح ٣٣٧٥، وصحيح مسلم، الفضائل، باب من فضائل إبراهيم الخليل ٢٣٧/ ١٥٣).
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده مرسل ويتقوى بسابقه وأصله.
(٣) قول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول ابن جريج أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه الحسين وهو ابن داود: ضعيف، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة (المصنف ١١/ ٥٦٢ رقم ١١٩٥٩) والطبري كلاهما بسند صحيح من طريق الحكم بن عتيبة عن مجاهد.
(٥) زيادة من (ح) و (حم).
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.