للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخبرهم بأمره، وهو متحير في حاله وما هو فيه، فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف - ملك البلد وأهلها - حتى انتهى بهم إلى الكهف فقال لهم: دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي فدخل، فيقال: إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى الله عليهم خبرهم، ويقال: بل دخلوا عليهم ورأوهم، وسلم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلمًا فيما قيل، واسمه: تيدوسيس، ففرحوا به وآنسوه بالكلام، ثم ودعوه وسلموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفاهم الله ﷿ (١)، فالله أعلم.

قال قتادة: غزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة، فمرّوا بكهف في بلاد الروم، فرأوا فيه عظامًا فقال قائل: هذه عظام أهل الكهف، فقال ابن عباس: لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلثمائة سنة، ورواه ابن جرير (٢).

وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ﴾ أي: كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان ﴿لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ﴾ أي: في أمر القيامة، فمن مثبت لها ومن منكر، فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم.

﴿فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ﴾ أي: سدوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم ﴿قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا﴾ حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين:

(أحدهما): أنهم المسلمون منهم.

(والثاني): أهل الشرك منهم (٣)، فالله أعلم.

والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ، ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر؛ لأن النبي قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" (٤) يحذر ما فعلوا، وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يخفى عن الناس، وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده، فيها شيء من الملاحم وغيرها.

﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (٢٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع، ولما ضعف القولين الأولين بقوله: ﴿رَجْمًا بِالْغَيْبِ﴾ أي: قولًا بلا علم، كمن يرمي إلى مكان لا يعرفه؛ فإنه لا يكاد يصيب وإن أصاب فبلا قصد.


(١) أخرجه عبد الرزاق بسنده عن وهب بن منبه والخبر من الإسرائيليات.
(٢) أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة به، وقتادة لم يسمع من ابن عباس.
(٣) وهذه الأخبار كسابقها.
(٤) أخرجه مسلم من حديث جُندب مرفوعًا (الصحيح، المساجد، باب النهي عن بناء المساجد على القبور ح ٥٣٢).