للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ويا أهل النار خلود بلا موت" (١).

وقال مجاهد: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ يعني: السماء والأرض والجبال (٢).

وفي رواية: ما شئتم فكونوا فسيعيدكم الله بعد موتكم (٣).

وقد وقع في التفسير المروي عن الإمام مالك عن الزهري في قوله: ﴿أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾ قال النبي : قال مالك: ويقولون: هو الموت (٤).

وقوله تعالى: ﴿فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا﴾ أي: من يعيدنا إذا كنا حجارة أو حديدًا أو خلقًا آخر شديدًا ﴿قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أي: الذي خلقكم ولم تكونوا شيئًا مذكورًا ثم صرتم بشرًا تنتشرون؛ فإنه قادر على إعادتكم ولو صرتم إلى أي حال ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ [الروم: ٢٧].

وقوله تعالى: ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ﴾ قال ابن عباس وقتادة: يحركونها استهزاء، وهذا الذي قالاه هو الذي تعرفه العرب من لغاتها (٥)؛ لأن الإنغاض هو: التحرك من أسفل إلى أعلى أو من أعلى إلى أسفل، ومنه قيل للظليم وهو: ولد النعامة نغضًا؛ لأنه إذا مشى عجل بمشيته وحرك رأسه، ويقال: نغَضَت سنّهُ إذا تحركت وارتفعت من منبتها وقال الراجز:

ونَغضَت من هرمٍ أسنانها (٦)

وقوله: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُو﴾ إخبار عنهم بالاستبعاد منهم لوقوع ذلك، كما قال تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٥)[الملك] وقال تعالى: ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا﴾ [الشورى: ١٨]. وقوله: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ أي: احذروا ذلك؛ فإنه قريب سيأتيكم لا محالة، فكل ما هو آت آت.

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ﴾ أي: الرب : ﴿إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ [الروم: ٢٥] أي: إذا أمركم بالخروج منها، فإنه لا يخالف ولا يمانع، بل كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠)[القمر] ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)[النحل]. وقوله: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ (١٤)[النازعات] أي: إنما هو أمر واحد بانتهار، فإذا الناس قد خرجوا من باطن الأرض إلى ظاهرها، كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾ أي: تقومون كلكم إجابة لأمره وطاعة لإرادته.


(١) أخرجه الطبري وهو متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري (صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ [مريم: ٣٩] ح ٤٧٣٠)، وصحيح مسلم، الجنة، باب النار يدخلها الجبارون (ح ٢٨٤٩).
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن مجاهد.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) تقدم صحته عن جمع من التابعين.
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري بثلاثة أسانيد يقوي بعضها بعضًا، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه.
(٦) استشهد به معمر بن المثنى (مجاز القرآن ١/ ٣٨٢) والطبري.