للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

للأنبياء من الله أيقاظًا ونيامًا فكان رسول الله يقول: "تنام عيناي وقلبي يقظان" (١) والله أعلم، أي ذلك كان قد جاءه وعاين من الله فيه ما عاين على أي حالاته كان نائمًا أو يقظانًا، كل ذاك حق وصدق (٢)، انتهى كلام ابن إسحاق.

وقد تعقبه أبو جعفر بن جرير في تفسيره بالرد والإنكار والتشنيع بأن هذا خلاف ظاهر سياق القرآن، وذكر من الأدلة على ردِّه بعض ما تقدم (٣)، والله أعلم.

فائدة حسنة جليلة:

روى الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في كتاب "دلائل النبوة" من طريق محمد بن عمر الواقدي: حدثني مالك بن أبي الرجال، عن عمرو بن عبد الله، عن محمد بن كعب القرظي، قال: بعث رسول الله دحية بن خليفة إلى قيصر، فذكر وروده عليه وقدومه إليه، وفي السياق دلالة عظيمة على وفور عقل هرقل، ثم استدعى مَن بالشام من التجار فجيء بأبي سفيان صخر بن حرب وأصحابه، فسألهم عن تلك المسائل المشهورة التي رواها البخاري ومسلم كما سيأتي بيانه، وجعل أبو سفيان يجهد أن يحقر أمره وتصغره عنده. قال في هذا السياق عن أبي سفيان: والله ما منعني من أن أقول عليه قولًا أسقطه من عينه إلا أني أكره أن أكذب عنده كذبة يأخذها عليَّ ولا يصدقني في شيء. قال: حتى ذكرت قوله ليلة أسري به، قال: فقلت: أيها الملك ألا أخبرك خبرًا تعرف أنه قد كذب؟ قال: وما هو؟ قال: قلت: إنه يزعم لنا أنه خرج من أرضنا، أرض الحرم، في ليلة فجاء مسجدكم هذا مسجد إيلياء، ورجع إلينا تلك الليلة قبل الصباح. قال: وبطريق إيلياء عند رأس قيصر، فقال بطريق إيلياء: قد علمت تلك الليلة، قال: فنظر إليه قيصر وقال: وما علمك بهذا؟ قال: إني كنت لا أنام ليلة حتى أغلق أبواب المسجد، فلما كان تلك الليلة أغلقت الأبواب كلها غير باب واحد غلبني، فاستعنت عليه بعمالي ومن يحضرني كلهم فعالجته، فغلبنا فلم نستطع أن نحركه كأنما نزاول به جبلًا، فدعوت إليه النجاجرة، فنظروا إليه فقالوا: إن هذا الباب سقط عليه النِجاف (٤) والبنيان، ولا نستطيع أن نحركه حتى نصبح فننظر من أين أتى. قال: فرجعت وتركت البابين مفتوحين. فلما أصبحت غدوت عليها، فإذا الحجر الذي في زاوية المسجد مثقوب، وإذا فيه أثر مربط دابة، قال: فقلت لأصحابي: ما حبس هذا الباب الليلة إلا على نبي، وقد صلى الليلة في مسجدنا، وذكر تمام الحديث (٥).

فائدة:

قال الحافظ أبو الخطاب عمر بن دحية في كتابه "التنوير في مولد السراج المنير" وقد ذكر حديث الإسراء من طريق أنس وتكلم عليه فأجاد وأفاد، ثم قال: وقد تواترت الروايات في حديث الإسراء عن عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود وأبي ذرٍّ ومالك بن صعصعة وأبي هريرة


(١) أخرجه الشيخان من حديث عائشة (صحيح البخاري، التهجد، باب قيام النبي في رمضان وغيره ح ١١٤٧، وصحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي ح ٧٣٨).
(٢) ذكره ابن هشام (السيرة ١/ ٤٠٠)، وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به.
(٣) ردَّه الطبري ردًّا علميًا بالنقل والعقل وباللغة.
(٤) النجاف أسكفة الباب.
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور ونسبه أبي نعيم في الدلائل، وسنده مرسل.