للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

نمر اضطرب في هذا الحديث وساء حفظه ولم يضبطه كما سيأتي بيانه إن شاء الله في الأحاديث الأخر (١)، ومنهم من يجعل هذا منامًا توطئة لما وقع بعد ذلك والله أعلم.

وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي في حديث شريك زيادة تفرد بها، على مذهب من زعم أنه رأى الله ﷿ يعني قوله: ﴿ثُمَّ دَنَا﴾ الجبار رب العزة ﴿فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)[النجم]. قال: وقول عائشة وابن مسعود وأبي هريرة في حملهم هذه الآيات على رؤيته جبريل أصح (٢).

وهذا الذي قاله البيهقي في هذه المسألة هو الحق، فإن أبا ذرٍّ قال: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: "نور أنى أراه" وفي رواية: "رأيت نورًا" أخرجه مسلم (٣)، وقوله: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨)[النجم] إنما هو جبريل ، كما ثبت ذلك في الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين، وعن ابن مسعود، وكذلك هو في صحيح مسلم عن أبي هريرة (٤)، ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة في تفسير هذه الآية بهذا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا حماد بن سلمة، أخبرنا ثابت البناني، عن أنس بن مالك أن رسول الله قال: "أُتيت بالبراق وهو دابة أبيض فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبت فسار بي حتى أتيت بيت المقدس، فربطت الدابة بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء، ثم دخلت فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فأتاني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن قال جبريل: أصبت الفطرة. قال: ثم عرج بي إلى السماء الدنيا فاستفتح جبريل فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه. ففتح لنا فإذا أنا بآدم فرحَّب ودعا لي بالخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثانية فاستفتح جبريل فقيل له: من أنت؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى فرحبا بي ودعوا لي بخير، ثم عرج بنا إلى السماء الثالثة فاستفتح جبريل فقيل: من أنت؟ قال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ فقال: محمد . فقيل: وقد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه، ففتح لنا فإذا أنا بيوسف ، وإذا هو قد أعطي شطر الحسن، فرحَّب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء الرابعة فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ فقال: جبريل. فقيل: ومن معك؟ قال: محمد، فقيل: قد أرسل إليه؟ قال: قد أرسل إليه ففتح الباب فإذا أنا


= ومسلم في كتابيهما شيئًا لا يحتمل مخرجًا إلا حديثين، ثم غلبه في تخريجه الوهم مع اتقانهما وصحة معرفتهما، فذكر هذا الحديث .. ثم بين العذر في ذلك فقال: فوهم الثقة في موضع من الحديث لا يسقط جميع الحديث، لاسيما إذا كان الوهم لا يستلزم ارتكاب محذور. (فتح الباري ١٣/ ٤٨٥).
(١) تتبع الحافظ ابن حجر أوهام شريك في هذا الحديث (ينظر: فتح الباري ١٣/ ٤٨٤ - ٤٨٦).
(٢) دلائل النبوة ٢/ ٣٨٥.
(٣) صحيح مسلم، الإيمان، باب في قوله : "نور أنى أراه … " (ح ١٧٨).
(٤) حديث عائشة ، أخرجه البخاري (الصحيح، بدء الخلق، باب إذا قال أحدكم "آمين" … ح ٣٢٣٥)، ومسلم (الصحيح، الإيمان، باب معنى قول الله ﷿: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣)﴾ [النجم] ح ١٧٧) وحديث ابن مسعود أخرجه البخاري (الصحيح، التفسير، باب ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩)﴾ [النجم] ح ٥٨٥٦)، ومسلم (الصحيح، الإيمان، باب في ذكر سدرة المنتهى ح ١٧٤).