للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال أبو عبيدة، عن عبد الله بن مسعود: ما زال النبي مستخفيًا حتى نزلت ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾، فخرج هو وأصحابه (١).

وقوله: ﴿وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾ أي بلِّغ ما أنزل إليك من ربك، ولا تلتفت إلى المشركين الذين يريدون أن يصدوك عن آيات الله ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩)[القلم] ولا تخفهم فإن الله كافيك إياهم وحافظك منهم، كقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: ٦٧].

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا إسحاق بن إدريس، حدثنا عون بن كَهمس، عن يزيد بن درهم، عن أنس قال: سمعت أنسًا يقول في هذه الآية، ﴿إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥) الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾ قال: مرَّ رسول الله فغمزه بعضهم فجاء جبريل، أحسبه قال: فغمزهم، فوقع في أجسادهم كهيئة الطعنة فماتوا (٢).

قال محمد بن إسحاق: كان عظماء المستهزئين كما حدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير خمسة نفر، وكانوا ذوي أسنان (٣) وشرف في قومهم من بني أسد بن عبد العزى بن قصي الأسود بن المطلب أبي زمعة، كان رسول الله فيما بلغني قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه، فقال: "اللَّهم أعمِ بصره، وأثكله ولده" ومن بني زهرة الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، ومن بني سهم ابن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي العاص بن وائل بن هشام بن سعيد بن سعد، ومن خزاعة الحارث بن الطلاطلة بن عمرو بن الحارث بن عبد بن - عمرو بن ملكان -. فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله الاستهزاء أنزل الله تعالى: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (٩٤) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ (٩٥)﴾ إلى قوله: ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ (٤).

وقال ابن إسحاق: فحدثني يزيد بن رومان، عن عروة بن الزبير أو غيره من العلماء، أن جبريل أتى رسول الله وهو يطوف بالبيت، فقام وقام رسول الله إلى جنة، فمر به الأسود بن عبد يغوث فأشار إلى بطنه، فاستسقى بطنه، ومرَّ به الوليد بن المغيرة، فأشار إلى أثر جرحٍ بأسفل كعب رجله، وكان أصابه قبل ذلك بسنتين، وهو يجز إزاره، وذلك أنه مرَّ برجل من خزاعة يريش نبلًا له، فتعلق سهم من نبله بإزاره فخدش رجله ذلك الخدش، وليس بشيء، فانتفض به فقتله، ومرَّ به العاص بن وائل، فأشار إلى أخمص قدمه (٥) فخرج على حمار له يريد


(١) أخرجه الطبري من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة به بدون ذكر ابن مسعود، وسنده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة وهو الربذي.
(٢) أخرجه البزار بسنده ومتنه ثم قال: تفرد به يزيد بن درهم عن أنس، ونقل الحافظ ابن حجر عن ابن معين تضعيفه (مختصر زوائد مسند البزار ٢/ ٨٩ ح ١٤٧٥).
(٣) أي: الأكابر.
(٤) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به وحسنه السيوطي في الدر المنثور.
(٥) أي: باطن قدمه.