للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الزبد، وكذلك الهدى والحق جاءا من عند الله، فمن عمل بالحق كان له وبقي، كما بقي ما ينفع الناس في الأرض، وكذلك الحديد لا يستطاع أن يعمل منه سكين ولا سيف حتى يدخل في النار، فتأكل خبثه، ويخرج جيده فينتفع به، فكذلك يضمحل الباطل، فإذا كان يوم القيامة وأقيم الناس وعرضت الأعمال، فيزيغ الباطل ويهلك، وينتفع أهل الحق بالحق (١). وهكذا روي في تفسيرها عن مجاهد والحسن البصري وعطاء وقتادة (٢)، وغير واحد من السلف والخلف.

وقد ضرب في أول سورة البقرة للمنافقين مثلين: ناريًا ومائيًا، وهما قوله: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ﴾ الآية [البقرة: ١٧]، ثم قال: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ﴾ الآية [البقرة: ١٩]، وهكذا ضرب للكافرين في سورة النور مثلين:

أحدهما: قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ﴾ الآية [النور: ٣٩]، والسراب إنما يكون في شدة الحر، ولهذا جاء في الصحيحين: "فيقال لليهود يوم القيامة: فما تريدون؟ فيقولون: أي ربنا عطشنا فاسقنا. فيقال: ألا تردون؟ فيردون النار فإذا هي كسراب يحطم بعضها بعضًا" (٣).

ثم قال تعالى في المثل الآخر: ﴿أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ﴾ الآية [النور: ٤٠].

وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله قال: "إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل غيث أصاب أرضًا، فكان منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا، ورعوا، وسقوا، وزرعوا، وأصابت طائفة منها أخرى، إِنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني ونفع به، فعلم وعلّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به" (٤). فهذا مثل مائي.

وقال في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله أنه قال: "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها - قال:- فذلكم مثلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار هلمَّ عن النار، فتغلبوني فتقتحمون فيها" (٥). وأخرجاه في الصحيحين أيضًا، فهذا مثل ناري (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به ويتقوى بسابقه ولاحقه.
(٢) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول عطاء أخرجه الطبري بسند حسن من طريق طلحة بن عمرو عنه.
(٣) أخرجاه من حديث أبي سعيد الخدري (صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء: ٤٠] (ح ٤٥٨١)، وصحيح مسلم، الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية (ح ٣٠٢).
(٤) صحيح البخاري، العلم، باب فضل من عَلِم وعَلَّم (ح ٧٩)، وصحيح مسلم، الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي من الهدى والعلم (ح ٢٢٨٢).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣١٢)، وسنده صحيح.
(٦) صحيح البخاري، أحاديث الأنبياء، باب قول الله تعالى: ﴿وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (٣٠)﴾ [ص] =