للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه الذي جعله محلًا للشرب، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلهًا غيره، لا ينتفعون بهم أبدًا في الدنيا ولا في الآخرة، ولهذا قال: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾.

﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)﴾.

يخبر تعالى عن عظمته وسلطانه، الذي قهر كل شيء، ودان له كل شيء، ولهذا يسجد له كل شيء طوعًا من المؤمنين وكرهًا من المشركين ﴿وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ﴾ أي البُكُر ﴿وَالْآصَالِ﴾ وهو جمع أصيل، وهو آخر النهار، كقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨)[النحل].

﴿قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦)﴾.

يقرر تعالى أنه لا إله إلا هو، لأنهم معترفون بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض، وهو ربها ومدبرها، وهم مع هذا قد اتخذوا من دونه أولياء يعبدونهم، وأولئك الآلهة لا تملك لأنفسها ولا لعابديها بطريق الأولى نفعًا ولا ضرًا؛ أي: لا تحصل لهم منفعة ولا تدفع عنهم مضرة، فهل يستوي من عبد هذه الآلهة مع الله، ومن عبد الله وحده لا شريك له فهو على نور من ربه؟ ولهذا قال: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ﴾ أي: أجعل هؤلاء المشركون مع الله آلهة تناظر الرب وتماثله في الخلق فخلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم، فلا يدرون أنها مخلوقة من مخلوق غيره، أي ليس الأمر كذلك فإنه لا يشابهه شيء، ولا يماثله ولا ند له ولا عدل له ولا وزير له ولا ولد ولا صاحبة، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا، وإنما عبد هؤلاء المشركون معه آلهة هم معترفون أنها مخلوقة له، عبيد له، كما كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك، إلا شريكًا هو لك، تملكه وما ملك (١)، وكما أخبرنا تعالى عنهم في قوله: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣] فأنكر تعالى عليهم ذلك حيث اعتقدوا ذلك، وهو تعالى لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه ﴿وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ﴾ [سبأ: ٢٣] ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)[النجم]، وقال: ﴿إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (٩٣) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (٩٤) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (٩٥)[مريم] فإذا كان الجميع عبيدًا، فلم يعبد بعضهم بعضًا بلا دليل ولا برهان، بل مجرد الرأي والاختراع والابتداع، ثم قد أرسل رسله من أولهم إلى آخرهم، تزجرهم عن ذلك وتنهاهم عن عبادة من سوى الله، فكذبوهم وخالفوهم، فحقت عليهم كلمة العذاب لا محالة ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الكهف: ٤٩].


(١) تقدم عزوه إلى صحيح مسلم في تفسير سورة يوسف آية رقم ١٠٦.