للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من المؤمنين قد كذبوهم. قال ابن أبي مليكة في حديث عروة، كانت عائشة تقرؤها ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا﴾ مُثقلة (١)، من التكذيب.

وقال ابن أبي حاتم: أنبأنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنبأنا ابن وهب، أخبرني سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد قال: جاء إنسان إلى القاسم بن محمد فقال: إن محمد بن كعب القرظي يقول هذه الآية ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ فقال القاسم: أخبره عني أني سمعت عائشة زوج النبي تقول: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ تقول: كذبهم أتباعهم (٢). إسناد صحيح أيضًا.

والقراءة الثانية بالتخفيف (٣)، واختلفوا في تفسيرها، فقال ابن عباس ما تقدم. وعن ابن مسعود فيما رواه سفيان الثوري عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله أنه قرأ ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ مخففة، قال عبد الله: هو الذي تَكَره (٤)، وهذا عن ابن عباس وابن مسعود ، مخالف لما رواه آخرون عنهما. أما ابن عباس، فروى الأعمش عن مسلم، عن ابن عباس في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾ قال: لما أيست الرسل أن يستجيب لهم قومهم وظن قومهم أن الرسل قد كذبوهم، جاءهم النصر على ذلك ﴿فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ﴾ (٥)، وكذا روي عن سعيد بن جبير وعمران بن الحارث السلمي وعبد الرحمن بن معاوية وعلي بن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس بمثله (٦).

وقال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا عارم أبو النعمان، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا شعيب، حدثنا إبراهيم [بن أبي حُرّة] (٧) الجزري قال: سأل فتى من قريش سعيد بن جبير فقال له: يا أبا عبد الله كيف هذا الحرف، فإني إذا أتيت عليه تمنيت أن لا أقرأ هذه السورة ﴿حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا﴾؟ قال: نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم، وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا، فقال الضحاك بن مزاحم: ما رأيت كاليوم قط رجلًا يدعى إلى علم فيتلكأ، ولو [رحلت] (٨) إلى اليمن في هذه كان قليلًا.

ثم روى ابن جرير أيضًا من وجه آخر أن مسلم بن يسار سأل سعيد بن جبير عن ذلك، فأجابه بهذا الجواب، فقام إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرَّج الله عنك كما فرجت عني (٩)، وهكذا روي من


(١) أخرجه البخاري من طريق هشام عن ابن جريج به بنحوه (الصحيح، تفسير سورة البقرة، باب ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. . .﴾ [البقرة: ٢١٤] ح ٤٥٢٤ و ٤٥٢٥).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وصحح سنده الحافظ ابن كثير.
(٣) تقدم أنها متواترة.
(٤) أخرجه الثوري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٥) أخرجه الطبري من طريق أبي معاوية عن الأعمش به، وسنده صحيح ومسلم هو ابن صُبيح.
(٦) هؤلاء الرواة الخمسة كلهم رووه عن ابن عباس، وقد أخرج الطبري رواياتهم كلهم، وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا.
(٧) كذا في تفسير الطبري، وفي النسخ الخطية: (ابن أبي حمزة)، والصواب هو المثبت (ينظر: الجرح والتعديل ١/ ٩٦، ولسان الميزان ١/ ٤٦).
(٨) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري وفي الأصل: "دخلت".
(٩) أخرجه الطبري بسنديه ومتنيه، وهذان الطريقان يقوي أحدهما الآخر.