للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (٥٨)﴾.

يقول تعالى ممتنًا على خلقه بما أنزله من القرآن العظيم على رسوله الكريم: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ أي: زاجر عن الفواحش ﴿وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ﴾ أي: من الشبه والشكوك، وهو: إزالة ما فيها من رجس ودنس.

﴿وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى وإنما ذلك للمؤمنين به والمصدقين الموقنين بما فيه كما قال تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)[الإسراء]، وقوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ﴾ الآية [فصلت: ٤٤]،

وقوله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا﴾ أي: بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ﴿هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾ أي: من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة لا محالة، كما قال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية وذكر بسنده عن بَقية بن الوليد، عن صفوان بن عمرو: سمعت أيفع بن عبد الكلاعي يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعدُّ الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: الحمد لله تعالى. ويقول مولاه: هذا والله من فضل الله ورحمته. فقال عمر: كذبت ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ﴾ الآية، وهذا مما يجمعون (١). وقد أسنده الحافظ أبو القاسم الطبراني فرواه عن أبي زرعة الدمشقي، عن حيوة بن شريح، عن بَقية … فذكره (٢).

﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٦٠)﴾.

قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم: نزلت إنكارًا على المشركين فيما كانوا يحلون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايل (٣)، كقوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا … ﴾ الآيات [الأنعام: ١٣٦].

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق: سمعت أبا الأحوص -وهو: عوف بن مالك بن نضلة- يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله وأنا


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وفيه بقية لم يصرح بالسماع، وكذلك رواه ابن أبي حاتم معلقًا، وفيه أيفع: وهو ضعيف (التقريب ص ١١٧)، فسنده ضعيف.
(٢) في سنده أيضًا أيفع، فسنده ضعيف.
(٣) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف فيه إبهام اسم شيخ الطبري، وقول عبد الرحمن بن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.