للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٥)[المرسلات] لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة.

﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧)﴾.

يقول تعالى مخاطبًا لرسوله : ﴿وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ﴾ أي: ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ أي: مصيرهم ومنقلبهم، والله شهيد على أفعالهم بعدك.

وقد قال الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا أبو بكر الحنفي، حدثنا داود بن الجارود، عن أبي السليل، عن حذيفة بن أسيد، عن النبي قال: عُرضت عليَّ أمتي البارحة لدى هذه الحجرة أولها وآخرها، فقال رجل: يا رسول الله عُرض عليك من خلق فكيف من لم يخلق؟ فقال: صوروا لي في الطين حتى أني لأعرف بالإنسان منهم من أحدكم بصاحبه (١). ورواه عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، عن عقبة بن مكرم، عن يونس بن بكير، عن زياد بن المنذر، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أسيد به نحوه (٢).

وقوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ﴾ قال مجاهد: يعني يوم القيامة (٣) ﴿قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ﴾ الآية، كما قال تعالى: ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٦٩)[الزمر]، فكل أمة تعرض على الله بحضرة رسولها وكتاب أعمالها من خير وشر موضوع شاهد عليهم وحفظتهم من الملائكة شهود أيضًا أمة بعد أمة وهذه الأمة الشريفة وإن كانت آخر الأمم في الخلق إلا أنها أول الأمم يوم القيامة يفصل بينهم ويقضى لهم، كما جاء في الصحيحين عن رسول الله أنه قال: "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة المقضى لهم قبل الخلائق" (٤). فأُمته إنما حازت قصب السبق بشرف رسولها صلوات الله وسلامه عليه دائمًا إلى يوم الدين.

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٨) قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (٤٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (٥٠) أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (٥١) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٥٢)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن كفر هؤلاء المشركين في استعجالهم العذاب وسؤالهم عن وقته قبل


(١) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه (المعجم الكبير ٣/ ١٨١ ح ٣٠٥٥)، وسنده ضعيف جدًا، لأن زياد بن المنذر كذاب (مجمع الزوائد ١٠/ ٦٩).
(٢) أخرجه الطبري بسنده نحوه (المصدر السابق ح ٣٠٥٤)، وسنده كسابقه.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٤) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة (الصحيح، الجمعة، باب هداية هذه الأمة ليوم الجمعة ح ٨٥٦).