للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عليك واستمر في جهله فأعرض عنه، فلعل ذلك أن يردّ كيده، كما قال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)[المؤمنون] وقال تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦)[فصلت] [أي هذه الوصية] (١) وقال في هذه السورة الكريمة أيضًا ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)﴾ فهذه الآيات الثلاث في الأعراف والمؤمنون وحم السجدة لا رابع لهنّ، فإنه تعالى، يرشد فيهن إلى معاملة العاصي من الإنس بالمعروف بالتي هي أحسن فإن ذلك يكفّه عمّا هو فيه من التمرد بإذنه تعالى، ولهذا قال: ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤] ثم يرشد تعالى إلى الاستعاذة به من شيطان الجان، فإن لا يكفّه عنك الإحسان وإنما يريد هلاكك ودمارك بالكلية، فإنه عدو مبين لك ولأبيك من قبلك.

وقال ابن جرير في تفسير قوله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ﴾: وإما يغضبنّك من الشيطان غضب يصدك عن الإعراض عن الجاهل ويحملك على مجازاته ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ﴾ يقول: فاستجر بالله من نزغه ﴿إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ سميع لجهل الجاهل عليك والاستعاذة به من نزغه، ولغير ذلك من كلام خلقه لا يخفى عليه منه شيء عليم بما يذهب عنك نزغ الشيطان وغير ذلك من أمور خلقه (٢).

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما نزل ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (١٩٩)﴾ قال: يا ربِّ كيف بالغضب؟، فأنزل الله: ﴿وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٢٠٠)(٣).

قلت: وقد تقدم في أول الاستعاذة حديث الرجلين اللذين تسابّا بحضرة النبي فغضب أحدهما حتى جعل أنفه يتمرغ غضبًا، فقال رسول الله : "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" فقيل له: فقال: ما بي من جنون (٤).

وأصل النزغ الفساد إما بالغضب أو غيره، قال الله تعالى: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ [الإسراء: ٥٣] والعياذ: الالتجاء والاستناد والاستجارة من الشرّ، وأما الملاذ ففي طلب الخير، كما قال أبو الطَّيب المتنبي في شعره:

يا من ألوذُ به فيما أو ملّه … ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظمًا أنت كاسره … ولا يهيضون عظمًا أنت جابره (٥)

وقد قدمنا أحاديث الاستعاذة في أول التفسير بما أغنى عن إعادته ههنا.


(١) ما بين معقوفين زيادة من (عم).
(٢) ذكره الطبري بلفظه وأطول.
(٣) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات عن عبد الرحمن لكنه معضل لأن عبد الرحمن تابع تابعي.
(٤) تقدم تخريجه في تفسير الاستعاذة.
(٥) ديوان المتنبي ٢/ ٢٧٢.