للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وحدثنا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر قال: قال الحسن: عنى بها ذرية آدم ومن أشرك منهم بعده يعني: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ (١).

وحدثنا بشر، حدثنا يزيد، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: كان الحسن يقول: هم اليهود، والنصارى رزقهم الله أولادًا فهودوا ونصروا (٢). وهذه أسانيد صحيحة عن الحسن أنه فسّر الآية بذلك، وهو من أحسن التفاسير وأولى ما حملت عليه الآية، ولو كان هذا الحديث عنده محفوظًا عن رسول الله لما عدل عنه هو ولا غيره ولا سيما مع تقواه لله وورعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي، ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب من آمن منهم مثل كعب أو وهب بن منبه وغيرهما، كما سيأتي بيانه إن شاء الله إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع، والله أعلم.

فأما الآثار فقال محمد بن إسحاق بن يسار: عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت حواء تلد لآدم أولادًا، فيعبدهم لله ويسميهم عبد الله وعبيد الله ونحو ذلك، فيصيبهم الموت، فأتاهما إبليس فقال: إنكما لو سميتماه بغير الذي تسميانه به لعاش، قال: فولدت له رجلًا فسماه عبد الحارث، ففيه أنزل الله يقول الله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ إلى قوله: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ إلى آخر الآية (٣).

وقال العوفي، عن ابن عباس قوله في آدم: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ - إلى قوله -: ﴿فَمَرَّتْ بِهِ﴾ شكت أحملت أم لا؟ ﴿فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ فأتاهما الشيطان، فقال: هل تدريان ما يولد لكم؟ أم هل تدريان ما يكون أبهيمة أم لا؟ وزين لهما الباطل، إنه غوي مبين، وقد كانت قبل ذلك ولدت ولدين فماتا، فقال لهما الشيطان: إنكما إن لم تسمياه بي لم يخرج سويًا ومات كما مات الأول، فسميا ولدهما عبد الحارث، فذلك قول الله تعالى: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ الآية (٤).

وقال عبد الله بن المبارك، عن شريك، عن خصيف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله: ﴿فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ قال: قال الله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ آدم ﴿حَمَلَتْ﴾ فأتاهما إبليس لعنه الله فقال: إني صاحبكما الذي أخرجتكما من الجنة لتطيعاني أو لأجعلنّ له قرني إيل فيخرج من بطنك فيشقه، ولأفعلنّ ولأفعلنّ يخوفهما، فسمياه عبد الحارث فأبيا أن يطيعاه، فخرج ميتًا، ثم حملت الثانية فأتاهما أيضًا فقال: أنا صاحبكما الذي فعلت ما فعلت لتفعلنّ أو لأفعلنّ يخوفهما فأبيا أن يطيعاه فخرج ميتًا، ثم حملت الثالثة فأتاهما أيضًا فذكر لهما فأدركهما حبُّ الولد فسمياه عبد الحارث، فذلك قوله تعالى: ﴿جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا﴾ رواه ابن أبي حاتم (٥).

وقد تلقى هذا الأثر عن ابن عباس من أصحابه كمجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة، ومن الطبقة


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٣) أخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به، وسنده ضعيف لأن ابن إسحاق مدلس ولم يصرح بالسماع، وداود بن الحصين ثقه إلا في عكرمة.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي به.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن المبارك به، وسنده ضعيف لأن كلًا من شريك وخصيف فيهما مقال.