للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ﴾ أي: أضعف عليهم العقوبة كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَالَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (٦٦) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (٦٧) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (٦٨)[الأحزاب].

وقوله: ﴿قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾ أي: قد فعلنا ذلك وجازينا كلًا بحسبه، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ (٨٨)[النحل] وقوله: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [العنكبوت: ١٣] وقوله: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (٢٥)[النحل].

﴿وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ﴾ أي: قال المتبوعون للأتباع ﴿فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ﴾ قال السدي: فقد ضللتم كما ضللنا (١). ﴿فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ﴾ وهذه الحال كما أخبر الله تعالى عنهم في حال محشرهم في قوله تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (٣١) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (٣٢) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٣٣)[سبأ].

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (٤٠) لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (٤١)﴾.

قوله: ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ قيل: المراد لا يرفع لهم منها عمل صالح ولا دعاء، قاله مجاهد وسعيد بن جبير: ورواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وكذا رواه الثوري عن ليث، عن عطاء، عن ابن عباس (٢).

وقيل: المراد لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، رواه الضحاك عن ابن عباس، وقاله السدي وغير واحد (٣)، ويؤيده ما قاله ابن جرير: حدثنا أبو كريب، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن الأعمش، عن المنهال هو ابن عمرو، عن زاذان، عن البراء أن رسول الله -ذكر قبض روح الفاجر، وأنه يُصعد بها إلى السماء فيصعدون بها، فلا تمر على ملأ من الملائكة إلا قالوا ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون فلان بأقبح أسمائه التي كان يُدعى بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء فيستفتحون بابها له فلا يُفتح له، ثم قرأ رسول الله : ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ (٤) هكذا رواه وهو قطعة من حديث طويل رواه أبو داود


(١) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٢) هذه الأقوال أخرجها الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا، وأخرج بعضها ابن أبي حاتم أيضًا.
(٣) قول الضحاك عن ابن عباس أخرجه الطبري بسند ضعيف لأن الضحاك لم يسمع ابن عباس، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده ثابت كما يلي.