للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستأمن من أهل الحرب، فروى البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي مرفوعًا "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا" (١).

وعن أبي هريرة عن النبي قال: "من قتل معاهدًا له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا" رواه ابن ماجه والترمذي، وقال: حسن صحيح (٢).

وقوله: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: هذا مما وصاكم به لعلكم تعقلون عن الله أمره ونهيه.

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١٥٢)﴾.

قال عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال لما أنزل الله ﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ و ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا﴾ الآية [النساء: ١٠]، فانطلق من كان عنده يتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء فيحبس له حتى يأكله، أو يفسد، فاشتدّ ذلك عليهم، فذكروا ذلك لرسول الله فأنزل الله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٠] قال: فخلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم رواه أبو داود (٣).

وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ قال الشعبي ومالك وغير واحد من السلف: يعني حتى يحتلم (٤).

وقال السدي: حتى يبلغ ثلاثين سنة (٥)، وقيل: أربعون سنة، وقيل: ستون سنة، قال: وهذا كله بعيد هاهنا، والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعد على تركه في قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)[المطففين] وقد أهلك الله أمة من الأمم كانوا يبخسون المكيال والميزان.


= وحسنه (ح ٢١٥٨)، وسنن النسائي، تحريم الدم، باب ذكر ما يحل به دم المسلم ٧/ ٩١، وسنن ابن ماجه، الحدود، باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا في ثلاث (ح ٢٥٣٣)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢٠٥٢).
(١) صحيح البخاري، الديات، باب إثم من قتل ذميّا بغير جرم (ح ٦٩١٤).
(٢) سنن الترمذي، الديات، باب ما جاء فيمن قتل نفسًا معاهدة (ح ١٤٠٣)، وسنن ابن ماجه، الديات، باب من قتل معاهدًا (ح ٢٦٨٧) بنحوه، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (ح ٢١٧٦)، ويشهد له سابقه.
(٣) تقدم تخريجه وتصحيحه في تفسير سورة البقرة آية ٢٢٠.
(٤) قول الشعبي أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق مجالد عنه، ومجالد ليس بالقوي كما في التقريب، وقول مالك أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عنه.
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.