للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سليمان بن حرب، حدثنا وهب، حدثنا خالد الحذاء، عن بركة أبي الوليد، عن ابن عباس أن رسول الله كان قاعدًا خلف المقام، فرفع بصره إلى السماء فقال: "لعن الله اليهود - ثلاثًا - إن الله حرم عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها وإن الله لم يحرم على قوم أكل شيء إلا حرم عليهم ثمنه" (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا علي بن عاصم، أنبأنا خالد الحذاء، عن بركة أبي الوليد، أنبأنا ابن عباس قال: كان رسول الله قاعدًا في المسجد مستقبلًا الحجر فنظر إلى السماء فضحك فقال: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" (٢). ورواه أبو داود من حديث خالد الحذاء (٣).

وقال الأعمش: عن جامع بن شداد، عن كلثوم، عن أسامة بن زيد، قال: دخلنا على رسول الله وهو مريض نعوده، فوجدناه نائمًا قد غطى وجهه ببرد عدني فكشف عن وجهه وقال: "لعن الله اليهود يحرمون شحوم الغنم ويأكلون أثمانها" (٤) وفي رواية: "حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها".

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧)﴾.

يقول تعالى: فإن كذبك يا محمد مخالفوك من المشركين واليهود ومن شابههم، ﴿فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ وهذا ترغيب لهم في ابتغاء رحمة الله الواسعة واتباع رسوله، ﴿وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ ترهيب لهم من مخالفتهم الرسول خاتم النبيين، وكثيرًا ما يقرن الله تعالى بين الترغيب والترهيب في القرآن، كما قال تعالى في آخر هذه السورة: ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٦٥] وقال: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [الرعد: ٦] وقال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠)[الحجر] وقاد تعالى: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ [غافر: ٣] وقال: ﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (١٢) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (١٣) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (١٤)[البروج] والآيات في هذا كثيرة جدًا.

﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩) قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١٥٠)﴾.

هذه مناظرة ذكرها الله تعالى، وشبهة تشبث بها المشركون في شركهم وتحريم ما حرموا،


(١) سنده صحيح وللمزيد ينظر الحديث التالي.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وصححه محققوه (المسند ٤/ ٩٥ ح ٢٢٢١).
(٣) سنن أبي داود، البيوع، باب في ثمن الخمر والميتة (ح ٣٤٨٨)، وصححه الألباني (صحيح سنن أبي داود ٢٩٧٨).
(٤) أخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١٩٤).