للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: نزلت المائدة خبزًا وسمكًا (١).

وقال عطية العوفي: المائدة سمك فيه طعم كل شيء (٢).

وقال وهب بن منبه: أنزلها الله من السماء على بني إسرائيل، فكان ينزل عليهم في كل يوم في تلك المائدة من ثمار الجنة، فأكلوا ما شاؤوا من ضروب شتى، فكان يقعد عليها أربعة آلاف، وإذا أكلوا أنزل الله مكان ذلك لمثلهم، فلبثوا على ذلك ما شاء الله ﷿ (٣). وقال وهب بن منبه: نزل عليهم قرصة من شعير وأحوات، وحشا الله بين أضعافهن البركة، فكان قوم يأكلون ثم يخرجون، ثم يجيء آخرون فيأكلون ثم يخرجون، حتى أكل جميعهم وأفضلوا (٤).

وقال الأعمش، عن مسلم، عن سعيد بن جبير: أنزل عليها كل شيء إلا اللحم (٥).

وقال سفيان الثوري، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، وميسرة، وجرير، عن عطاء، عن ميسرة، قال: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليها الأيدي بكل طعام إلا اللحم (٦) وعن عكرمة: كان خبز المائدة من الأرز، رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا جعفر بن علي فيما كتب إلي، حدثنا إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبو عبد الله عبد القدوس بن إبراهيم بن أبي عبيد الله بن مرداس العبدري مولى بني عبد الدار، عن إبراهيم بن عمر، عن وهب بن منبه، عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان الخير، أنه قال: لما سأل الحواريون عيسى ابن مريم المائدة، كره ذلك جدًّا، فقال: اقنعوا بما رزقكم الله في الأرض، ولا تسألوا المائدة من السماء، فإنها إن نزلت عليكم كانت آية من ربكم، وإنما هلكت ثمود حين سألوا نبيهم آية فابتلوا بها حتى كان بوارهم فيها، فأبوا إلا أن يأتيهم بها، فلذلك ﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ الآية، فلما رأى عيسى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها، قام فألقى عنه الصوف، ولبس الشعر الأسود، وجبة من شعر، وعباءة من شعر، ثم توضأ واغتسل، ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله، فلما قضى صلاته، قام قائمًا مستقبل القبلة، وصفّ قدميه حتى استويا، فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع، ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره، وغضّ بصره، وطأطأ رأسه خشوعًا، ثم أرسل عينيه بالبكاء، فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلَّت الأرض حيال وجهه من خشوعه، فلما رأى ذلك دعا الله فقال: ﴿مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ﴾ فأنزل الله عليهم سفرة حمراء بين غمامتين: غمامة فوقها، وغمامة تحتها، وهم ينظرون إليها في الهواء منقضّة من فلك السماء تهوي إليهم، وعيسى يبكي خوفًا من أجل الشروط التي أخذها الله عليهم فيها، أنه يعذب من يكفر بها منهم بعد نزولها عذابًا لم يعذبه أحدًا من العالمين، وهو يدعو الله في مكانه ويقول: اللهم اجعلها رحمة لهم، ولا تجعلها عذابًا، إلهي كم من عجيبة سألتك فأعطيتني، إلهي اجعلنا


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي إسحاق السبيعي عن أبي عبد الرحمن السلمي.
(٢) أخرجه الطبري من طريقين يقوي أحدهما الآخر عن عطية.
(٣) (٤) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم، ووهب مشهور بروايته للإسرائيليات.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق قيس بن الربيع عن الأعمش به، وسنده حسن.
(٦) أخرجه الطبري من الطريقين ويقوي أحدهما الآخر.