للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك (١) وروى ذلك كله أبو جعفر بن جرير وحكى مثله عن مالك بن أنس ومستند هذا القول أن ظاهر أو للتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن كقوله في جزاء الصيد ﴿فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] وكقوله في كفارة الفدية: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: ١٩٦] وكقوله في كفارة اليمين: ﴿إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المائدة: ٨٩] هذه كلها على التخيير فكذلك فلتكن هذه الآية.

[وقال الجمهور] (٢): هذه الآية منزلة على أحوال، كما قال أبو عبد اللّه الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن أبي يحيى، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس في قطاع الطريق، إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض (٣).

وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن عطية، عن ابن عباس بنحوه (٤)، وعن أبي مخلد وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء الخراساني نحو ذلك، وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة.

واختلفوا: هل يصلب حيًا ويترك حتى يموت بمنعه من الطعام والشراب، أو بقتله برمح أو نحوه، أو يقتل أولًا ثم يصلب تنكيلًا وتشديدًا لغيره من المفسدين، وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يسيل صديده؟ في ذلك كله خلاف محرر في موضعه، وباللّه الثقة وعليه التكلان.

ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده فقال: حدثنا علي بن سهل، حدثنا الوليد بن مسلم، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عبد الملك بن مروان، كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية، فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة، قال أنس: فارتدوا عن الإسلام، وقتلوا الراعي، واستاقوا الإبل، وأخافوا السبيل، وأصابوا الفرج الحرام، قال أنس: فسأل رسول اللّه جبرائيل عن القضاء فيمن حارب فقال: من سرق مالًا وأخاف السبيل، فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فأصلبه (٥).

وأما قوله تعالى: ﴿أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾ قال بعضهم: هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام


(١) هذه الآثار أخرجها الطبري بأسانيد يقوي بعضها بعضًا إلا روايته عن الضحاك فلم يذكر عنه شيئًا.
(٢) زيادة من (حم) و (مح).
(٣) أخرجه الشافعي بسنده ومتنه (ترتيب مسند الشافعي، الحدود، باب فيما جاء في قطاع الطريق ٢/ ٨٦ ح ٢٨٢)، وسنده ضعيف لأن إبراهيم بن أبي يحيى متروك.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة بسنده ومتنه (المصنف ٦/ ٥٨٩)، وسنده ضعيف لضعف عطية وهو العوفي.
(٥) تقدم تخريجه قبل بضع صفحات.