للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث الواردة بذكره، فذكر أنه يواطئ اسمه اسم النبي واسم أبيه اسم أبيه، فيملأ الأرض عدلًا وقسطًا كما ملئت جورًا وظلمًا، وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامراء (١)، فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية، بل هو من هوس العقول السخيفة، وتوهم الخيالات الضعيفة، وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الاثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الاثنا عشرية من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم.

وفي التوراة البشارة بإسماعيل - السلام عليه -، وإن الله يقيم من صلبه اثني عشر عظيمًا، وهم هؤلاء الخلفاء الاثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة، وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثني عشر، فيتشيع كثير منهم جهلًا وسفهًا لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي .

وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ﴾ أي: بحفظي وكلاءتي ونصري ﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي﴾ أي: صدّقتموهم فيما يجيئونكم به من الوحي، ﴿وَعَزَّرْتُمُوهُمْ﴾ أي: نصرتموهم ووازرتموهم على الحق ﴿وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ وهو الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته، ﴿لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أي: ذنوبكم أمحوها وأسترها ولا أؤاخذكم بها، ﴿وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: أدفع عنكم المحذور وأحصل لكم المقصود.

وقوله: ﴿فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾ أي: فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشدّه وجحده، وعامله معاملة من لا يعرفه، فقد أخطأ الطريق الواضح، وعدل عن الهدى إلى الضلال، ثم أخبر تعالى عما حل بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده، فقال: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ﴾ أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم؛ أي: أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى، ﴿وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً﴾ أي: فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها، ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ﴾ أي: فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات الله، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله، وحملوه على غير مراده، وقالوا عليه ما لم يقل، - عياذًا بالله من ذلك - ﴿وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ﴾ أي: وتركوا العمل به رغبة عنه. وقال الحسن: تركوا عرى دينهم ووظائف الله تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها (٢).

وقال غيره: تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة، فلا قلوب سليمة، ولا فطر مستقيمة، ولا أعمال قويمة، ﴿وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ﴾ يعني: مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك.

وقال مجاهد وغيره: يعني بذلك تمالؤهم على الفتك برسول الله (٣).

﴿فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ﴾ وهذا هو عين النصر والظفر، كما قال بعض السلف ما عاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه، وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق، ولعل الله أن يهديهم، ولهذا قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ يعني: به الصفح عمن أساء إليك. وقال


(١) مدينة تقع شمال بغداد في العراق.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بنحوه.