للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ أي: لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ وهو الجنة التي هي من رحمته على عباده، لا ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل، وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم، وهو تعالى الذي جعلها أسبابًا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه فالكل منه وله، فله الحمد والمنة.

ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١٠)﴾ وهذا من عدله تعالى، وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه، بل هو الحكم العدل الحكيم القدير.

وقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾. قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهري، ذكره عن أبي سلمة، عن جابر: أن النبي نزل منزلًا، وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، وعلق النبي سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله ، فأخذه فسله، ثم أقبل على النبي فقال: من يمنعك منى؟ قال: "الله ﷿". قال الأعرابي، مرتين أو ثلاثًا: من يمنعك مني؟ والنبي يقول: "الله". قال: فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي أصحابه، فأخبرهم خبر الأعرابي، وهو جالس إلى جنبه، ولم يعاقبه، وقال معمر: كان قتادة يذكر نحو هذا، ويذكر أن قومًا من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله فأرسلوا هذا الأعرابي، وتأول ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ الآية (١). وقصة هذا الأعرابي وهو [غورث] (٢) بن الحارث (٣) ثابتة في الصحيح.

وقال العوفي، عن ابن عباس في هذه الآية ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ﴾ وذلك أن قومًا من اليهود صنعوا لرسول الله ولأصحابه طعامًا ليقتلوهم، فأوحى الله إليه بشأنهم، فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فأتوه، رواه ابن أبي حاتم (٤).

وقال أبو مالك: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الأشرف، رواه ابن أبي حاتم (٥).

وذكر محمد بن إسحاق بن يسار ومجاهد وعكرمة وغير واحد، أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله الرُحى، لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين، ووكلوا عمرو بن جحاش بن كعب بذلك، وأمروه إن جلس النبي تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه، فأطلع الله النبي على ما تمالؤوا عليه، فرجع


(١) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح أخرجه البخاري من طريق عبد الرزاق به (الصحيح، المغازي، باب غزوة بني المصطلق من خزاعة ح ٤١٣٩)، وكذا مسلم (الصحيح، الفضائل، باب توكله على الله تعالى … ح ٨٤٣).
(٢) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "عورب" وهو تصحيف.
(٣) اختلف في إسلامه، وفي اسمه (الإصابة ٣/ ١٨٥).
(٤) أخرجه الطبري من طريق العوفي به.
(٥) أخرجه الطبري من طريق السدي عن أبي مالك به، وسنده مرسل، ويتقوى بلاحقه.