للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يحتج به من يجوز الأكل والشبع والتزود منها مدة يغلب على ظنه الاحتياج إليها والله أعلم.

وقوله: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ﴾ أي: متعاط لمعصية الله، فإن الله قد أباح ذلك له وسكت عن الآخر، [كما قال في سورة البقرة] (١): ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [١٧٣] وقد استدل بهذه الآية من يقول بأنّ العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر، لأن الرخص لا تنال بالمعاصي، والله أعلم.

﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤)﴾.

لما ذكر تعالى ما حرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهما، واستثنى ما استثناه في حالة الضرورة كما قال تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ [لأنعام: ١١٩] قال بعدها: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ كما قال في سورة الأعراف في صفة محمد أنه ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾ [١٥٧].

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يحيى بن عبد الله بن أبي بكير، حدثني عبد الله بن لهيعة، حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن عدي بن حاتم وزيد بن مهلهل (٢) الطائيين، سألا رسول الله فقالا: يا رسول الله قد حرم الله الميتة، فماذا يحل لنا منها؟ فنزلت ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ (٣). قال سعيد: يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم. وقال مقاتل: الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيبوه وهو الحلال من الرزق، وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال: ليس هو من الطيبات، رواه ابن أبي حاتم، وقال ابن وهب: سئل مالك عن بيع الطير الذي يأكله الناس، فقال: ليس هو من الطيبات.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ أي: أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها، والطيبات من الرزق، وأحل لكم ما صدتموه بالجوارح، وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباهها، كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة، وممن قال ذلك علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (٤) في قوله: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ﴾ وهن الكلاب المعلمة، والبازي، وكل طير يعلم للصيد والجوارح، يعني: الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها. رواه ابن أبي حاتم، ثم قال: وروي عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير نحو ذلك (٥).


(١) زيادة من (حم) و (مح).
(٢) زيد بن مهلهل هو زيد الخيل بن مهلهل بن زيد بن منهب الطائي وفد سنة تسع وسماه النبي زيد الخير (الإصابة ١/ ٥٥٥).
(٣) في سنده ابن لهيعة فيه مقال.
(٤) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٥) قول خيثمة أخرجه الطبري من طريق طلحة اليامي عنه، ويتقوى بسابقه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند =