للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن أبي حاتم عن العوام بن حوشب مثله في المختال الفخور، وقال: حدثنا أبي، حدثنا أبو نعيم، عن الأسود بن شيبان، حدثنا يزيد بن عبد اللّه بن الشخير، قال: قال مطرف: كان يبلغني عن أبي ذر حديث كنت أشتهي لقاءه، فلقيته، فقلت: يا أبا ذر، بلغني أنك تزعم أن رسول الله حدثكم: "إن اللّه يحب ثلاثة ويبغض ثلاثة"؟ فقال: أجل، فلا إخالني، أكذب على خليلي ثلاثًا؟ قلت: من الثلاثة الذين يبغض اللّه؟ قال: المختال الفخور. أوليس تجدونه عندكم في كتاب اللّه المنزل؟ ثم قرأ الآية ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ (١)، وحدثنا أبي، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وهيب بن خالد، عن أبي تميمة، عن رجل من بلهجم، قال: قلت: يا رسول اللّه، أوصني، قال: "إياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة، وإن اللّه لا يحب المخيلة" (٢).

﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (٣٧) وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩)﴾.

يقول تعالى ذامًّا الذين يبخلون بأموالهم أن ينفقوها فيما أمرهم الله به من بر الوالدين والإحسان إلى الأقارب، واليتامى، والمساكين، والجار ذي القربى، والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وما ملكت أيمانكم من الأرقاء، ولا يدفعون حق اللّه فيها، ويأمرون الناس بالبخل أيضًا، وقد قال رسول اللّه : "وأي داء أدوأ من البخل" (٣). وقال: "إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ فالبخيل جحود لنعمة اللّه لا تظهر عليه ولا تبين، لا في مأكله ولا في ملبسه ولا في إعطائه وبذله، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)[العاديات: ٦، ٧]، أي: بحاله وشمائله ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)[العاديات: ٨] وقال ههنا: ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ ولهذا توعدهم بقوله: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾ والكفر هو الستر والتغطية، فالبخيل يستر نعمة الله عليه ويكتمها


(١) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه وأطول، وسنده صحيح، وأخرجه مسلم من طريق خرشة بن الحر عن أبي ذر بنحوه (الصحيح، الإيمان، باب بيان غلظ تحريم إسبال الإزار ح ١٠٦).
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسنده ومتنه، وسنده صحيح، والرجل المبهم هو صحابي واسمه: جابر بن سليم إذ صرح بذلك أبو داود فقد أخرجه من طريق أبي تميمة عن أبي جري جابر بن سليم بنحوه وأطول (السنن، اللباس، باب في إسبال الإزار ح ٤٠٨٤)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٤٤٢).
(٣) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ح ٢٩٦)، من حديث جابر، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٣/ ٢١٩)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح ٢٢٧).
(٤) أخرجه الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا (المسند ح ٦٤٨٧)، وصححه محققوه وأخرجه ابن حبان (الإحسان ح ٥١٧٦)، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ١/ ١١).