للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ قال ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي ومقاتل بن حيان؛ أي: اختبروهم (١) ﴿حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ﴾ قال مجاهد: يعني الحلم (٢)، قال الجمهور من العلماء: البلوغ في الغلام تارة يكون بالحلم، وهو أن يرى في منامه ما ينزل به الماء الدافق الذي يكون منه الولد، [وفي سنن أبي داود عن علي قال: حفظت من رسول الله : "لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم إلى الليل" (٣)، وفي الحديث الآخر عن عائشة وغيرها من الصحابة عن النبي قال: "رفع القلم عن ثلاثة، عن الصبي حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستقيظ، وعن المجنون حتى يفيق" (٤)] (٥)، أو يستكمل خمس عشرة سنة وأخذوا ذلك من الحديث الثابت في الصحيحين عن ابن عمر، قال: عرضت على النبي يوم أُحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني، وعُرضتُ عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني، فقال عمر بن عبد العزيز لما بلغه هذا الحديث: إن هذا الفرق بين الصغير والكبير (٦).

واختلفوا في إنبات الشعر الخشن حول الفرج، وهي الشعرة، هل تدل على بلوغ أم لا؟ على ثلاثة أقوال، يُفرق في الثالث بين صبيان المسلمين فلا يدل على ذلك لاحتمال المعالجة، وبين صبيان أهل الذمة فيكون بلوغًا في حقهم لأنه لا يتعجل بها إلى ضرب الجزية عليه. فلا يعالجها، والصحيح أنها بلوغ في حق الجميع لأن هذا أمر جبلّي يستوي فيه الناس واحتمال المعالجة بعيد، ثم قد دلت السنة على ذلك في الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن عطية القرظي ، قال: عُرضنا على النبي يوم قريظة، فكان من أنبت قتل، ومن لم ينبت خلى سبيله، فكنت فيمن لم ينبت فخلي سبيلي (٧)، وقد أخرجه أهل السنن الأربعة بنحوه، وقال الترمذي: حسن صحيح (٨). وإنما كان كذلك لأن سعد بن معاذ كان قد حكم فيهم بقتل المقاتلة وسبي الذرية.

وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الغريب: حدثنا ابن علية، عن إسماعيل بن أمية،


(١) قول ابن عباس: أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول مقاتل أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق بكير عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) السنن، الوصايا، باب متى ينقطع اليُتم ح ٢٨٧٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٢٤٩٧).
(٤) أخرجه أبو داود (السنن، الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًا ح ٤٣٩٨)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٦٩٨)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٥٩).
(٥) كذا في: (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل تأخر بعد رواية الصحيحين.
(٦) أخرجه البخاري (الصحيح، الشهادة، باب ما يكره من الأطناب في المدح ح ٢٦٦٤، وصحيح مسلم، الإمارة، باب بيان سن البلوغ ح ١٨٦٨).
(٧) أخرجه الإمام أحمد عن عطية بلفظه (المسند ٤/ ٣١٠)، وسنده صحيح.
(٨) أخرجه الترمذي من طريق عطية به (السنن، السير، باب ما جاء في النزول على الحكم ح ١٥٨٤، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ح ١٢٨٨)، وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ١٢٣).