للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولكن بروها وصلوها، قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد والحسن والضحاك والربيع وغير واحد (١).

وقرأ بعضهم: (والأرحام) بالخفض على العطف على الضمير في به، أي: تساءلون بالله وبالأرحام، كما قال مجاهدَ وغيره (٢).

وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ أي: هو مراقب لجميع أحوالكم وأعمالكم، كما قال: ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦].

وفي الحديث الصحيح: "اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك" (٣)، وهذا إرشاد وأمر بمراقبة الرقيب. ولهذا ذكر تعالى أن أصل الخلق من أب واحد وأم واحدة ليعطف بعضهم على بعض، ويحننهم على ضعفائهم.

وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن رسول الله حين قدم عليه أولئك النفر من مضر وهم [مجتابو] (٤) النّمار (٥) - أي: من عريهم وفقرهم - قام فخطب الناس بعد صلاة الظهر فقال في خطبته: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١)﴾، وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ [الحشر: ١٨]، ثم حضّهم على الصدقة فقال: "تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من صاع بره، من صاع تمره … " وذكر تمام الحديث (٦)، وهكذا رواه أحمد وأهل السنن عن ابن مسعود في خطبة الحاجة، وفيها ثم يقرأ ثلاث آيات هذه منها ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ﴾ الآية (٧).

﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا (٤)﴾.

يأمر تعالى بدفع أموال اليتامى إليهم إذا بلغوا الحلم كاملة موفرة، وينهى عن أكلها وضمها إلى أموالهم، ولهذا قال: ﴿وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾.


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وقول الحسن أخرجه الطبري بسند حسن من طريق منصور بن عباد عنه، وقول عكرمة أخرجه الطبري بسند حسن من طريق خُصيف عنه، وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه الطبري بسند مرسل مرفوع من طريق سعيد بن أبي عروبة عنه، وقول الربيع أخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عنه.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، بلفظ: "أسألك بالله وبالرحم".
(٣) أخرجه مسلم من حديث عمر بن الخطاب مطولًا (الصحيح، الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان ح ٨).
(٤) في الأصل تصحيف غير واضح والمثبت من (ح) و (حم) و (مح).
(٥) أي: يرتدون ثياب صوف مخططة.
(٦) صحيح مسلم، الزكاة، (باب الحث على الصدقة ح ١٠١٧).
(٧) المسند (ح ٢٤٨٨)، وهو بسند مسلم نفسه.