للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حَقٍّ﴾ أي: هذا قولهم في الله وهذه معاملتهم لرسل الله وسيجزيهم الله على ذلك شر الجزاء، ولهذا قال تعالى: ﴿وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢)﴾ أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتحقيرًا وتصغيرًا،

وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ يقول تعالى تكذيبًا لهؤلاء الذين زعموا أن الله عهد إليهم في كتبهم، أن لا يؤمنوا لرسول حتى يكون من معجزاته أن من تصدق بصدقة من أمته، فتقبلت منه، أن تنزل نار من السماء تأكلها، قاله ابن عباس والحسن (١) وغيرهما.

قال الله ﷿: ﴿قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ﴾ أي: بالحجج والبراهين، ﴿وَبِالَّذِي قُلْتُمْ﴾ أي: وبنار تأكل القرابين المتقبلة، ﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ أي: فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل.

ثم قال تعالى مسليًا لنبيه محمد : ﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)﴾ أي: لا [يهيدنك] (٢) تكذيب هؤلاء لك، فلك أسوة بمن قبلك من الرسل الذين كذبوا مع ما جاءوا به من البينات وهي الحجج والبراهين القاطعة، ﴿وَالزُّبُرِ﴾ وهي الكتب المتلقاة من السماء كالصحف المنزلة على المرسلين، ﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ أي: البين الواضح الجلي.

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦)﴾.

يخبر تعالى إخبارًا عامًّا يعم جميع الخليقة بأن كل نفس ذائقة الموت، كقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)[الرحمن] فهو تعالى وحده هو الحي الذي إلا يموت، والجن والإنس يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولًا، وهذه الآية فيها تعزية لجميع الناس، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها في صلب آدم وانتهت البرية، أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها (٣) وقليلها، فلا يظلم أحدًا مثقال ذرة، ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا عبد العزيز الأويسي، حدثنا علي بن أبي علي


(١) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، وقول الحسن أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عباد بن منصور مختصرًا.
(٢) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "لا يهمنك"، وجاء في (عف) بيان المعنى: "لا يزعجنك.
(٣) كذا في (عف) و (ح) و (حم) و (مح)، وفي الأصل: "كبيرها".