وقد يستدل بهذا أن مذهبه المنع، ولكن وجهه الخطيب، فقال على إثره: "وهذا الفعل من الشافعي محمول على الكراهة، للاتِّكال على الإجازة بدلًا من السماع؛ لأنه قد حفظ عنه الإجازة لبعض أصحابه ما لم يسمعه من كتبه" يشير إلى ما قدمناه عن الكرابيسي. (١) الحاوي الكبير (١/ ١٩) وسبق كلامه بطوله. وردَّ أبو طاهر السِّلفي في "الوجيز" (٥٧) هذا الاحتجاج، بقوله: "وَمِن مَنافِع الإِجَازَة أيْضًا أن لَيْس كلُّ طالب، وباغٍ لِلعِلم فيه راغب يَقْدِرُ على سَفرٍ وَرِحلَةٍ؛ وبالخصُوص إذا كان مَرفُوعًا إلى عِلَّةٍ أَوْ قِلَّة أَوْ يكون الشيخ الذي يُرحَلُ إليه بعيدًا وفي الوصول إِليه يَلقَى تَعَبًا شديدًا. فالكِتَابة حيئنذٍ أَرفَق، وفي حَقِّه أَوفق؛ وَيعدُّ ذلكَ مِنْ أَنهج السَّنَن وأَبْهَج السُّنَن فَيَكْتُبُ مَنْ بأَقْصَى المغرب إلى مَنْ بِأَقْصَى الْمَشْرِق فَيأْذَن لَهُ في رواية ما يَصِحُّ لَدَيه مِنْ حَدِيثه عَنْه، ويكون ذلك الْمَرْوِيّ حُجَّةً كما فَعَل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -. فقد صَحَّ عَنْه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ كتب إلى كِسْرى وقيصر وغيرهما مَعَ رُسُلِه، فَمَنْ أَقْبَل عليهم وَقَبلَ منهم فهو حُجَّةٌ له، ومَنْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَعمَلْ فَحُجَّةٌ عليه"، وهو مسبوق بما قاله ابن فارس في "مأخذ العلم" (٤٠ - ٤١): "ونحن فلسنا نقول: إنَّ طالب العلم يقتصر على الإجازة فقط ثم لا يسعى لطلب علم ولا يرحل، لكنا نقول: تكون الإجازة لمن كان له في القعود عن الطلب عذر من قصورِ نفقةٍ، أو بُعد مسافةٍ، أو صعوبة مسلك". (٢) أسند عنه الخطيب في "الكفاية" (٢١٦) قوله: "الإجازة ليس هي عندنا شيئًا، إذ قال: حدثنا، كذب" وإسناده جيد.