للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد قال بنحو ما ذكرنا الحافظ أبو بكر البيهقي (١)، واحتجَّ له بأنَّ الأحاديثَ التي صحَّت، أو وَقَفَتْ بين الصِّحة والسّقم قد دُوِّنتْ، وجُمعت في كُتُب الحديث، فلا يجوز أن يذهب شيءٌ منها على جميعهم (٢)، وإنْ جاز أن يذهب على بعضهم، فمن جاء اليوم بحديثٍ لم


= ولم يرضَ الزركشي في "نكته" (٣/ ٤٢٧) بكلام ابن الصلاح، فقال: "وفيما قاله توقَّف، فإن التساهل في هذا يجرّ إلى التساهل بما دونه، وكيف يجوز خرق إجماع السابقين على أمر بعد استقراره، أم كيف يقع إجماع بعد ثبوت الإجماع على خلافه؟! " ثم نقل عن الإمام الْكيا الهرَّاسي في "تعليقه على الأصول" له قوله: "إذا كان الشيخ مغفلًا لا يدري ما يقرأ عليه والسامع لا يصغي فهذا سماع باطل. والنوم ضار بالسماع، هكذا الشيخ لا يدري ولا يحفظ ما يقرأ عليه، ولا يقابل بنسخة الأصل، والسامعون صبيان يحضرون ويلعبون، فهذا كله باطل، يسمع وهو صغير ويروي وهو شيخ كبير، فلا في طرف التحمل يعقل ولا في طرف الرواية يعلم، ولم يكن في قديم الأمر هكذا".
والحاصل أنه لما كان الغرض من معرفة التعديل والتجريح، وتفاوت المقامات في الحفظ والإتقان ليتوصل بذلك إلى التصحيح والتحسين والتضعيف، حصل التشدد بمجموع تلك الصفات، ولما كان الغرض آخرًا في التحصيل على مجرد وجود السلسلة السندية اكتفوا بما ترى!
(١) نقل كلامه ابن الصلاح في: "المقدمة" (ص ١٢١)، وجماعة ممن اختصر كتابه، مثل: ابن جماعة (شيخ المصنف) في "المنهل الروي" (٦٩) والنووي في "الإرشاد" (١/ ٣١٩)، وينظر "تدريب الراوي" (١/ ٥٧٢ - ط طارق عوض الله).
(٢) في هامش الأصل ما نصُّه: "قال شيخنا تقي الدين ابن جماعة: قول البيهقي: "فمن جاء اليوم بحديث لا يوجد عند جميعهم لم يقبل منه"، فيه إطلاق، ونقبله إذا لم يكن الجائي به من أئمة النقل، أو كان ولم توجد الشروط المعتبرة. أما إذا كان ووجدت، فإنه يُقبل منه، وما المانع من ذلك؟! وهل هذا إلَّا مثل إحالتهم وجود المجتهد في زماننا، وهو يفتر عن حين ما، =

<<  <   >  >>