وقد أنشد لابن عطاء قول الحلاج.
أريدك لا أريدك للثواب … ولكنى أريدك للعقاب
وكل مآربى قد نلت منها … سوى ملذوذ وجدي بالعذاب
فقال ابن عطاء: قال هذا ما تزايد به عذاب الشغف وهيام الكلف، واحتراق الأسف، فإذا صفا ووفى علا إلى مشرب عذب وهاطل من الحق دائم سكب. وقد أنشد لأبى عبد الله بن خفيف قول الحلاج:
سبحان من أظهر ناسوته … سرّ سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا … في صورة الآكل والشارب
حتى قد عاينه خلقه … كلحظة الحاجب بالحاجب
فقال ابن خفيف: علا من يقول هذا لعنه الله؟ فقيل له: إن هذا من شعر الحلاج، فقال: قد يكون مقولا عليه. وينسب إليه أيضا:
أو شكت تسأل عنى كيف كنت … وما لاقيت بعدك من هم وحزن
لا كنت إن كنت أدرى كيف كنت … ولا لا كنت أدرى كيف لم أكن
قال ابن خلكان: ويروى لسمنون لا للحلاج. ومن شعره أيضا قوله:
متى سهرت عيني لغيرك أو بكت … فلا أعطيت ما أملت وتمنت
وإن أضمرت نفسي سواك فلا زكت … رياض المنى من وجنتيك وجنت
ومن شعره أيضا:
دنيا تغالطنى كأنني … لست أعرف حالها
حظر المليك حرامها … وأنا احتميت حلالها
فوجدتها محتاجة … فوهبت لذتها لها
وقد كان الحلاج يتلوّن في ملابسه، فتارة يلبس لباس الصوفية وتارة بتجرد في ملابس زرية، وتارة يلبس لباس الأجناد ويعاشر أبناء الأغنياء والملوك والأجناد. وقد رآه بعض أصحابه في ثياب رثة وبيده ركوة وعكازة وهو سائح فقال له: ما هذه الحالة يا حلاج؟ فأنشأ يقول:
لئن أمسيت في ثوبي عديم … لقد بليا على حرّ كريم
فلا يغررك أن أبصرت حالا … مغيرة عن الحال القديم
فلي نفس ستتلف أو سترقى … لعمرك بى إلى أمر جسيم
ومن مستجاد كلامه وقد سأله رجل أن يوصيه بشيء ينفعه الله به. فقال: عليك نفسك إن لم تشغلها بالحق وإلا شغلتك عن الحق. وقال له رجل: عظني. فقال: كن مع الحق بحكم ما أوجب.