للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: أقبل عبد الله بن الزبير من العمرة في ركب من قريش فلما كانوا عند اليناصب أبصروا رجلا عند شجرة، فتقدمهم ابن الزبير، فلما انتهى إليه سلم عليه فلم يعبأ به ورد ردا ضعيفا، ونزل ابن الزبير فلم يتحرك له الرجل، فقال له ابن الزبير: تنح عن الظل، فانحاز متكارها، قال ابن الزبير:

فجلست وأخذت بيده وقلت: من أنت؟ فقال: رجل من الجن، فما عدا أن قالها حتى قامت كل شعرة منى فاجتذبته وقلت: أنت رجل من الجن وتبدو إلى هكذا؟ وإذا له سفلة وانكسر ونهرته وقلت: إلى تتبدا وأنت من أهل الأرض، فذهب هاربا وجاء أصحابى فقالوا: أين الرجل الّذي كان عندك؟ فقلت: إنه كان من الجن فهرب. قال: فما منهم رجل إلا سقط إلى الأرض عن راحلته، فأخذت كل رجل منهم فشددته على راحلته حتى أتيت بهم الحج وما يعقلون. وقال سفيان بن عيينة قال ابن الزبير: دخلت المسجد ذات ليلة فإذا نسوة يطفن بالبيت فأعجبنني، فلما قضين طوافهن خرجن فخرجت في أثرهن لأعلم أين منزلهن، فخرجن من مكة حتى أتين العقبة ثم انحدرن حتى أتين فجا فدخلن خربة فدخلت في أثرهن. فإذا مشيخة جلوس فقالوا: ما جاء بك يا ابن الزبير؟ فقلت:

أشتهى رطبا، وما بمكة يومئذ من رطبة، فأتوني برطب فأكلت ثم قالوا: احمل ما بقي معك، فجئت به المنزل فوضعته في سفط وجعلت السفط في صندوق، ثم وضعت رأسي لأنام، فبينما أنا بين النائم واليقظان إذ سمعت جلبة في البيت، فقال بعضهم لبعض أين وضعه؟ قالوا: في الصندوق، ففتحوه فإذا هو في السفط داخله، فهموا بفتحه فقال بعضهم: إنه ذكر اسم الله عليه، فأخذوا السفط بما فيه فذهبوا به، قال. فلم آسف على شيء أسفى كيف لم أثب عليهم وهم في البيت. وقد كان عبد الله بن الزبير ممن حاجف عن عثمان يوم الدار، وجرح يومئذ بضع عشرة جراحة، وكان على الراجلة يوم الجمل وجرح يومئذ تسع عشرة جراحة أيضا، وقد تبارز يومئذ هو ومالك بن الحارث بن الأشتر، فاتحدا فصرع الأشتر ابن الزبير فلم يتمكن من القيام عنه، بل احتضنه ابن الزبير وجعل ينادى: اقتلوني ومالكا، واقتلوا مالكا معى، فأرسلها مثلا. ثم تفرقا ولم يقدر عليه الأشتر، وقد قيل إنه جرح يومئذ بضع وأربعون جراحة، ولم يوجد إلا بين القتلى وبه رمق، وقد أعطت عائشة لمن بشرها أنه لم يقتل عشرة آلاف درهم وسجدت لله شكرا، وكانت تحبه حبا شديدا، لأنه ابن أختها، وكان عزيزا عليها، وقد روى عن عروة أن عائشة لم نكن تحب أحدا بعد رسول الله وأبى بكر مثل حبها ابن الزبير، قال: وما رأيت أبى وعائشة يدعوان لأحد من الخلق مثل دعائهما لابن الزبير.

وقال الزبير بن بكار: حدثني أخى هارون بن أبى بكر عن يحيى بن إبراهيم عن سليمان بن محمد عن يحيى بن عروة عن عمه عن عبد الله بن عروة قال أفحمت ألسنة نابغة بنى جعدة فدخل على عبد الله بن الزبير المسجد الحرام فأنشد هذه الأبيات: -

<<  <  ج: ص:  >  >>