للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الزبير يواصل سبعة أيام ويصبح في الثامن وهو أليثنا. وروى مثله من غير وجه. وقال بعضهم: لم يكن يأكل في شهر رمضان سوى مرة واحدة في وسطه. وقال خالد بن أبى عمران: كان ابن الزبير لا يفطر من الشهر إلا ثلاثة أيام. ومكث أربعين سنة لم ينزع ثوبه عن ظهره وقال ليث عن مجاهد:

لم يكن أحد يطيق ما يطيقه ابن الزبير من العبادة . ولقد جاء سيل مرة فطبق البيت فجعل ابن الزبير يطوف سباحة، وقال بعضهم: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاث، في العبادة والشجاعة والفصاحة. وقد ثبت أن عثمان جعله في النفر الذين نسخوا المصاحف مع زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام وذكره سعيد بن المسيب في خطباء الإسلام مع معاوية وابنه وسعيد بن العاص وابنه، وقال عبد الواحد بن أيمن: رأيت على ابن الزبير رداء يمانيا عدنيا يصلى فيه، وكان صيتا إذا خطب تجاوبه الجبلان أبو قبيس وزروراء [وكان آدم نحيفا ليس بالطويل، وكان بين عينيه أثر السجود كثير العبادة مجتهدا شهما فصيحا صواما قواما شديد البأس ذا أنفة له نفس شريفة وهمة عالية، وكان خفيف اللحية ليس في وجهه من الشعر إلا قليلا] (١) وكانت له جمة وكان له لحية صفراء. وقد ذكرنا أنه شهد مع ابن أبى سرح قتال البربر وكانوا في عشرين ومائة ألف، والمسلمون عشرون ألفا، فأحاطوا بهم من كل جانب، فما زال عبد الله بن الزبير يحتال حتى ركب في ثلاثين فارسا، وسار نحو ملك البربر وهو منفرد وراء الجيش، وجواريه يظللنه بريش النعام، فساق حتى انتهى إليه والناس يظنون أنه ذاهب برسالة إلى الملك، فلما فهمه الملك ولى مدبرا فلحقه عبد الله فقتله واحتز رأسه وجعله في رأس رمح وكبر وكبر المسلمون، وحملوا على البربر فهزموهم بين أيديهم فقتلوا منهم خلقا كثيرا وغنموا أموالا وغنائم كثيرة جدا، وبعث ابن أبى سرح بالبشارة مع ابن الزبير فقص على عثمان الخبر وكيف جرى، فقال له عثمان: إن استطعت أن تؤدى هذا للناس فوق المنبر، قال: نعم! فصعد ابن الزبير فوق المنبر فخطب الناس وذكر لهم كيفية ما جرى، قال عبد الله: فالتفت فإذا أبى الزبير في جملة من حضر، فلما تبينت وجهه كاد أن يرتج على في الكلام من هيبته في قلبي، فرمزنى بعينه وأشار إلى ليحصني، فمضيت في الخطبة كما كنت، فلما نزلت قال: والله لكأنّي أسمع خطبة أبى بكر الصديق حين سمعت خطبتك يا بنى. وقال أحمد بن أبى الحواري: سمعت أبا سليمان الدارانيّ يقول: خرج ابن الزبير في ليلة مقمرة على راحلة له فنزل في تبوك فالتفت فإذا على الراحلة شيخ أبيض الرأس واللحية فشد عليه ابن الزبير فتنحى عنها فركب ابن الزبير راحلته ومضى، قال فناداه: والله يا ابن الزبير لو دخل قلبك الليلة منى شعرة لخبلتك، قال: ومنك أنت يا لعين يدخل قلبي شيء؟ وقد روى لهذه الحكاية شواهد من وجوه أخرى جيدة، وروى عبد الله بن المبارك عن إسحاق بن يحيى عن عامر بن عبد الله بن الزبير

<<  <  ج: ص:  >  >>