وقد قال الترمذي: حدثنا واصل بن عبد الأعلى ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة بن عمير. قال: لما جيء برأس عبيد الله بن زياد وأصحابه فنصبت في المسجد في الرحبة فانتهيت إليهم وهم يقولون: قد جاءت قد جاءت، فإذا حية قد جاءت تتخلل الرءوس حتى دخلت في منخري عبيد الله بن زياد، فمكثت هنيهة ثم خرجت، فذهبت حتى، تغيب ثم قالوا: قد جاءت قد جاءت، ففعلت ذلك مرتين أو ثلاثا. ثم قال الترمذي: حسن صحيح.
وأمر ابن زياد فنودي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فصعد المنبر فذكر ما فتح الله عليه من قتل الحسين الّذي أراد أن يسلبهم الملك ويفرق الكلمة عليهم، فقام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي، فقال: ويحك يا ابن زياد!! تقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصّديقين! فأمر به ابن زياد فقتل وصلب. ثم أمر برأس الحسين فنصب بالكوفة وطيف به في أزقتها، ثم سيره مع زحر بن قيس ومعه رءوس أصحابه إلى يزيد بن معاوية بالشام، وكان مع زحر جماعة من الفرسان، منهم أبو بردة بن عوف الأزدي: وطارق بن أبى ظبيان الأزدي، فخرجوا حتى قدموا بالرءوس كلها على يزيد بن معاوية.
قال هشام: فحدثني عبد الله بن يزيد بن روح بن زنباع الجذامي عن أبيه عن الغاز بن ربيعة الجرشى من حمير. قال: والله إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس فدخل على يزيد، فقال له يزيد: ويحك ما وراءك؟ [فقال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله عليك ونصره، ورد علينا الحسين بن على بن أبى طالب وثمانية عشر من أهل بيته، وستون رجلا من شيعته، فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا وينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد أو القتال، فاختاروا القتال، فغدونا إليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى أخذت السيوف مأخذها من هام القوم، فجعلوا يهربون إلى غير مهرب ولا وزر، ويلوذون منا بالآكام والحفر، لواذا كما لاذ الحمام من صقر، فو الله ما كانوا إلا حزر جزور، أو نومة قائل، حتى أتينا على آخرهم، فهاتيك أجسادهم مجردة، وثيابهم مزمّلة، وخدودهم معفرة، تصهرهم الشمس وتسفى عليهم الريح، وازرهم العقبان والرخم](١) قال: فدمعت عينا يزيد بن معاوية وقال: كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، لعن الله ابن سمية، أما والله لو أنى صاحبه لعفوت عنه، ورحم الله الحسين. ولم يصل الّذي جاء برأسه بشيء. ولما وضع رأس الحسين بين يدي يزيد قال: أما والله لو أنى صاحبك ما قتلتك، ثم أنشد قول الحسين بن الحمام المري الشاعر
يفلقن هاماً من رجال أعزّة … علينا وهم كانوا أعق وأظلما