ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ أَوِ الشُّرْبِ، وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ بُدُوَّ سَوْآتِهِمَا حَصَلَ عِنْدَ أَوَّلِ إِدْرَاكِ طَعْمِ الشَّجَرَةِ، دَلَالَةٌ عَلَى سُرْعَةِ تَرَتُّبِ الْأَمْرِ الْمَحْذُورِ عِنْدَ أَوَّلِ الْمُخَالَفَةِ، فَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى آيَةِ الْبَقَرَةِ.
وَهَذِهِ أَوَّلُ وَسْوَسَةٍ صَدَرَتْ عَنِ الشَّيْطَانِ. وَأَوَّلُ تَضْلِيلٍ مِنْهُ لِلْإِنْسَانِ.
وَقَدْ أَفَادَتْ (لَمَّا) تَوْقِيتَ بُدُوِّ سَوْآتِهِمَا بِوَقْتِ ذَوْقِهِمَا الشَّجَرَةَ، لِأَنَّ (لَمَّا) حَرْفٌ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ شَيْءٍ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ، فَهِيَ لِمُجَرَّدِ تَوْقِيتِ مَضْمُونِ جَوَابِهَا بِزَمَانِ وُجُودِ شَرْطِهَا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ (فَاللَّامُ فِي قَوْلِهِمْ لِوُجُودٍ بِمَعْنَى (عِنْدَ) وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ، يُرِيدُ بِاعْتِبَارِ أَصْلِهَا، وَإِذْ قَدِ الْتَزَمُوا فِيهَا تَقْدِيمَ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوَقْتِ لَا على الموقت، شَابَهَتْ أَدَوَاتَ الشَّرْطِ فَقَالُوا حَرْفُ وُجُودٍ لِوُجُودٍ كَمَا قَالُوا فِي (لَوْ) حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِامْتِنَاعٍ، وَفِي (لَوْلَا) حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ، وَلَكِنَّ اللَّامَ فِي عِبَارَةِ النُّحَاةِ فِي تَفْسِيرِ مَعْنَى لَوْ وَلَوْلَا، هِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ، بِخِلَافِهَا فِي عِبَارَتِهِمْ فِي (لَمَّا) لِأَنَّ (لَمَّا) لَا دَلَالَةَ لَهَا عَلَى سَبَبٍ، أَلَا تَرَى قَوْلَهُ تَعَالَى: فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ [الْإِسْرَاء: ٦٧] إِذْ لَيْسَ الْإِنْجَاءُ بِسَبَبٍ لِلْإِعْرَاضِ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ بَيْنَ السَّبَبِ وَالْمُسَبَّبِ تَقَارُنٌ كَثُرَ فِي شَرْطِ (لَمَّا) وَجَوَابِهَا مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ دُونَ اطِّرَادٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما لَا يَدُلُّ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ حُصُولِ ظُهُورِ السَّوْآتِ عِنْدَ ذَوْقِ الشَّجَرَةِ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْأَمْرَيْنِ مُقْتَرِنَيْنِ فِي الْوَقْتِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّقَارُنَ هُوَ لِكَوْنِ الْأَمْرَيْنِ مُسَبَّبَيْنِ عَنْ سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ خَاطِرُ السُّوءِ الَّذِي نَفَثَهُ الشَّيْطَانُ فِيهِمَا، فَسَبَّبَ الْإِقْدَامَ عَلَى الْمُخَالَفَةِ لِلتَّعَالِيمِ الصَّالِحَةِ، وَالشُّعُورَ بِالنَّقِيصَةِ: فَقَدْ كَانَ آدَمُ وَزَوْجُهُ فِي طَوْرِ سَذَاجَةِ الْعِلْمِ، وَسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ، شَبِيهَيْنِ بِالْمَلَائِكَةِ لَا يُقْدِمَانِ عَلَى مَفْسَدَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute