للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَ (الْوَلِيجَةُ) فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ، أَيِ الدَّخِيلَةُ، وَهِيَ الْفِعْلَةُ الَّتِي يُخْفِيهَا فَاعِلُهَا، فَكَأَنَّهُ يُولِجُهَا، أَيْ يُدْخِلُهَا فِي مَكْمَنٍ بِحَيْثُ لَا تَظْهَرُ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا: مَا يَشْمَلُ الْخَدِيعَةَ وَإِغْرَاءَ

الْعَدُوِّ بِالْمُسْلِمِينَ، وَمَا يَشْمَلُ اتِّخَاذَ أَوْلِيَاءَ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ يُخْلِصُ إِلَيْهِمْ وَيُفْضِي إِلَيْهِمْ بِسِرِّ الْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ تَنْكِيرَ وَلِيجَةً فِي سِيَاقِ النَّفْيِ يَعُمُّ سَائِرَ أَفْرَادِهَا.

ومِنْ دُونِ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِ وَلِيجَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ الْمُبَيِّنَةِ.

ومِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ، أَيْ وَلِيجَةً كَائِنَةً فِي حَالَةِ تَشْبِيهِ الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَبْدَأٌ لِلْبُعْدِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ تَذْيِيلٌ لِإِنْكَارِ ذَلِكَ الْحُسْبَانِ، أَيْ: لَا تَحْسَبُوا ذَلِكَ مَعَ عِلْمِكُمْ بِأَنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِكُلِّ مَا تعملونه.

[١٧]

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ١٧]

مَا كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ (١٧)

هَذَا ابْتِدَاءُ غَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِ مُعَامَلَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ مَنْعُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ دُخُولِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ، وَهُوَ مُرْتَبِطٌ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْبَرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ: بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التَّوْبَة: ١] وَلِمَا اتَّصَلَ بِتِلْكَ الْآيَةِ مِنْ

بَيَانِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَرْسَلَ بِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ

. وَهُوَ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا [التَّوْبَة: ٢٨] .

وَتَرْكِيبُ (مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا) يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بُعَدَاءُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: مَا كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ والنبوءة فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٧٩] ، أَيْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لِأَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ بِمَا تُعْمَرُ بِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ.