وَقَوْلُ الْعَرَبِ: مَا لَكَ؟ وَنَحْوَهُ اسْتِفْهَامٌ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الِاسْتِفْهَامِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ النَّاسُ: «مَا لَهُ! مَا لَهُ!» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرَبٌ مَا لَهُ»
. فَإِذَا كَانَ الْمُسْتَفْهَمُ عَنْهُ حَالًا ظَاهِرَةً لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِ شَيْءٍ بَعْدَ (مَا لَهُ) كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ.
وَجَعَلَ الزَّجَّاجُ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْهُ فَقَالَ: فَما لَكُمْ: كَلَامٌ تَامٌّ، أَيْ شَيْءٍ لَكُمْ فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ.
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَوَقَفَ الْقُرَّاءُ فَما لَكُمْ ثُمَّ يَبْدَأُ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.
وَإِذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَتْبَعُوا الِاسْتِفْهَامَ بِحَالٍ وَهُوَ الْغَالِبُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَناصَرُونَ [الصافات: ٢٥] فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [المدثر: ٤٩] وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لَا يَتِمُّ بِدُونِ ذِكْرِ حَالٍ بَعْدَهُ، فَالْخِلَافُ بَيْنَ كَلَامِهِمْ وَكَلَامِ الزَّجَّاجِ لَفْظِيٌّ.
وَجُمْلَةُ: كَيْفَ تَحْكُمُونَ اسْتِفْهَامٌ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْبَيَانِ لِمَا فِي جملَة: فَما لَكُمْ مِنَ الْإِجْمَالِ وَلِذَلِكَ فُصِلَتْ عَنْهَا فَهُوَ مِثْلُهُ اسْتِفْهَامٌ تَعْجِيبِيٌّ مِنْ حُكْمِهِمُ الضَّالِّ إِذْ حَكَمُوا بِإِلَهِيَّةِ مَنْ لَا يَهْتَدِي فَهُوَ تَعْجِيبٌ عَلَى تَعْجِيبٍ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ دَلِيلًا عَلَى حَال محذوفة.
[٣٦]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٣٦]
وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٣٦)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ [يُونُس: ٣٥] بِاعْتِبَارِ عَطْفِ تِلْكَ عَلَى نَظِيرَتَيْهَا الْمَذْكُورَتَيْنِ قَبْلَهَا، فَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يُحِجَّهُمْ فِيمَا جَعَلُوهُمْ آلِهَةً وَهِيَ لَا تَصَرُّفَ وَلَا تَدْبِيرَ وَلَا هِدَايَةَ لَهَا، أَعْقَبَ ذَلِكَ بِأَنَّ عِبَادَتَهُمْ إِيَّاهَا اتِّبَاعٌ لِظَنٍّ بَاطِل، أَي لوهم لَيْسَ فِيهِ شُبْهَةُ حَقٍّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute