وَتَفْرِيعُ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ تَحْذِيرٌ مِنْ عِصْيَانِ الله وَرَسُوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالتَّوَلِّي مُسْتَعَارٌ لِلْعِصْيَانِ وَعَدَمِ قَبُولِ دَعْوَةِ الرَّسُولِ.
وَحَقِيقَةُ التَّوَلِّي الِانْصِرَافُ عَنِ الْمَكَانِ الْمُسْتَقِرِّ فِيهِ وَاسْتُعِيرَ التَّوَلِّي لِلْعِصْيَانِ تَشْنِيعًا لَهُ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِنْهُ، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ [مُحَمَّد: ٣٨] ، وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ [الْأَنْفَال: ٢٠] .
وَالتَّعْرِيفُ فِي قَوْلِهِ: رَسُولِنَا بِالْإِضَافَةِ لِقَصْدِ تَعْظِيمِ شَأْنه بِأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا الضَّمِيرُ الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ يُفِيدُ تَشْرِيفَ الرَّسُولِ بِعِزِّ الْإِضَافَةِ إِلَى الْمُتَكَلِّمِ.
وَمَعْنَى الْحَصْرِ قَوْلِهِ: فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ قصر الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كَوْنِ وَاجِبِهِ الْبَلَاغَ، قَصْرُ مَوْصُوفٍ عَلَى صفة فالرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْصُورٌ عَلَى لُزُومِ الْبَلَاغِ لَهُ لَا يَعْدُو ذَلِكَ إِلَى لُزُومِ شَيْءٍ آخَرَ. وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ تَنْزِيلًا لَهُمْ فِي حَالَةِ الْعِصْيَانِ الْمَفْرُوضِ مَنْزِلَةَ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَأَلْجَأَهُمْ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ إِلْهَابًا لِنُفُوسِهِمْ بِالْحَثِّ عَلَى الطَّاعَةِ.
وَوَصْفُ الْبَلَاغُ بِ الْمُبِينُ، أَيِ الْوَاضِحُ عذر للرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ ادَّعَى مَا أُمِرَ بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ قَطْعًا لِلْمُعَذَّرِ عَنْ عَدَمِ امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ.
وَبِاعْتِبَارِ مَفْهُومِ الْقَصْرِ جُمْلَةُ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ كَانَتْ جَوَابًا لِلشَّرْطِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقْدِيرِ جَوَابٍ تَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ دَلِيلًا عَلَيْهِ أَوْ عِلَّةً لَهُ.
[١٣]
[سُورَة التغابن (٦٤) : آيَة ١٣]
اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١٣)
اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ.
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [التغابن: ١٢] وَجُمْلَةِ:
وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ.
وَاسْمُ الْجَلَالَةِ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ خبر. وَهَذَا تذكير للْمُؤْمِنين بِمَا يعلمونه. أَي من آمن بِأَن الله لَا إِلَه إِلَّا هُوَ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يُطِيعَهُ وَأَنْ لَا يَعْبَأَ