للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالِابْتِغَاءُ مَصْدَرُ ابْتَغَى بِمَعْنَى بَغَى الْمُتَعَدِّي، أَيِ الطَّلَبُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ:

أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٨٣] .

وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْمُبَادَأَةُ بِالْغَزْوِ، وَأَنْ لَا يَتَقَاعَسُوا، حَتَّى يَكُونَ الْمُشْرِكُونَ هُمُ الْمُبْتَدِئِينَ بِالْغَزْوِ. تَقُولُ الْعَرَبُ: طَلَبْنَا بَنِي فُلَانٍ، أَيْ غَزَوْنَاهُمْ. وَالْمُبَادِئُ بِالْغَزْوِ لَهُ رُعْبٌ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِهِ. وَزَادَهُمْ تَشْجِيعًا عَلَى طَلَبِ الْعَدُوِّ بِأَنَّ تَأَلُّمَ الْفَرِيقَيْنِ الْمُتَحَارِبَيْنِ وَاحِدٌ، إِذْ كُلٌّ يَخْشَى بَأْسَ الْآخَرِ، وَبِأَنَّ لِلْمُؤْمِنِينَ مَزِيَّةً عَلَى الْكَافِرِينَ، وَهِيَ أَنَّهُمْ يَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُوهُ الْكُفَّارُ، وَذَلِكَ رَجَاءُ الشَّهَادَةِ إِنْ قُتِلُوا، وَرَجَاءُ ظُهُورِ دِينِهِ عَلَى أَيْدِيهِمْ إِذَا انْتَصَرُوا، وَرَجَاءُ الثَّوَابِ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. وَقَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ مُتَعَلِّقٌ بِ تَرْجُونَ.

وَحُذِفَ الْعَائِدُ الْمَجْرُورُ بِمِنْ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَا يَرْجُونَ لِدَلَالَةِ حَرْفِ الْجَرِّ الَّذِي جُرَّ بِهِ اسْمُ الْمَوْصُولِ عَلَيْهِ، وَلَكَ أَنْ تجْعَل مَا صدق مَا لَا يَرْجُونَ هُوَ النَّصْرُ، فَيَكُونُ وَعْدًا لِلْمُسْلِمِينَ بِأَنَّ اللَّهَ نَاصِرُهُمْ، وَبِشَارَةً بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يَرْجُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَصْرًا، وَأَنَّهُمْ آيِسُونَ مِنْهُ بِمَا قَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ، وَهَذَا مِمَّا يَفُتُّ فِي سَاعِدِهِمْ. وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ اعْتِرَاضًا أَوْ حَالًا مُقَدَّمَةً عَلَى الْمَجْرُورِ بِالْحَرْفِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا كَقَوْلِهِ: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لَا مَوْلى لَهُمْ [مُحَمَّد: ١١] .

[١٠٥- ١٠٩]

[سُورَة النِّسَاء (٤) : الْآيَات ١٠٥ إِلَى ١٠٩]

إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦) وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩)