وَعُدِّيَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ بِدُونِ حَرْفِ الْجَرِّ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى عَصَوْا فِي مُقَابَلَةِ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَقْدِيرُ مُضَافٍ، أَيْ نِعْمَةُ رَبِّهِمْ لِأَنَّ مَادَّةَ الْكُفْرِ لَا تَتَعَدَّى إِلَى الذَّاتِ وَإِنَّمَا تَتَعَدَّى إِلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ.
وَجُمْلَةُ أَلا بُعْداً لِعادٍ ابْتِدَائِيَّةٌ لِإِنْشَاءِ ذَمٍّ لَهُمْ. وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى بُعْداً عِنْدَ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [هود: ٤٤] .
وقَوْمِ هُودٍ بَيَانٌ لِ (عَادٍ) أَوْ وَصْفٌ لِ (عَادٍ) بِاعْتِبَارِ مَا فِي لَفْظِ قَوْمِ مِنْ مَعْنَى الْوَصْفِيَّةِ. وَفَائِدَةُ ذِكْرِهِ الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ لَهُ أَثَرًا فِي الذَّمِّ بِإِعْرَاضِهِمْ عَنْ طَاعَةِ رَسُولِهِمْ، فَيَكُونُ تَعْرِيضًا بِالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ، وَلَيْسَ ذِكْرُهُ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ عَادٍ أُخْرَى وَهُمْ إِرَمُ كَمَا جَوَّزَهُ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي الْعَرَبِ عَادٌ غَيْرُ قَوْمِ هُودٍ وَهُمْ إِرَمُ، قَالَ تَعَالَى:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ [الْفجْر: ٦، ٧] .
[٦١]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٦١]
وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً قالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ (٦١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً- إِلَى قَوْلِهِ- غَيْرُهُ الْكَلَامُ فِيهِ كَالَّذِي فِي قَوْلِهِ: وَإِلى عادٍ أَخاهُمْ هُوداً [هود: ٥٠] إِلَخْ.
وَذِكْرُ ثَمُودَ وَصَالِحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَثَمُودُ: اسْمُ جَدٍّ سُمِّيَتْ بِهِ الْقَبِيلَةُ، فَلِذَلِكَ مُنِعَ مِنَ الصَّرْفِ بِتَأْوِيلِ الْقَبِيلَةِ.
وَجُمْلَةُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَنَفْيِ إِلَهِيَّةِ غَيْرِهِ، وَكَأَنَّهُمْ كَانُوا مِثْلَ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ لَا يَدَّعُونَ لِأَصْنَامِهِمْ خَلْقًا وَلَا رِزْقًا، فَلِذَلِكَ كَانَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ نَاهِضَةً وَاضِحَةً.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute