وَتَقْدِيمُ اسْمِ الْجَلَالَةِ وَهُوَ مُسْنَدٌ إِلَيْهِ عَلَى خَبَرِهِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ لِتَقْوِيَةِ الْحُكْمِ مَعَ الِاهْتِمَامِ. وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ فِي قَوْلِهِ: أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْمُتَعَلِّقِ تَشْنِيعًا لِتَعْلِيقِ الِافْتِرَاءِ بِهِ. وَأَظْهَرَ اسْمَ الْجَلَالَةِ لِتَهْوِيلِ الِافْتِرَاءِ عَلَيْهِ.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ أَذِنَ لِظُهُورِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ بذلك الْجعل.
[٦٠]
[سُورَة يُونُس (١٠) : آيَة ٦٠]
وَما ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٦٠)
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ قُلْ أَرَأَيْتُمْ [يُونُس: ٥٩] ، فَهُوَ كَلَامٌ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَلَكِنَّهُ ابْتِدَاءُ خِطَابٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ. وَمَا لِلِاسْتِفْهَامِ. وَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيبِ مِنْ حَالِهِمْ. وَالْمَقْصُودُ بِهِ التَّعْرِيضُ بِالْمُشْرِكِينَ لِيَسْتَفِيقُوا مِنْ غَفْلَتِهِمْ وَيُحَاسِبُوا أَنْفُسَهُمْ.
وَلِذَلِكَ كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرِ (هُمْ) مُضَافًا إِلَيْهِ الظَّنُّ إِمَّا ضَمِيرِ خِطَابٍ أَوْ غَيْبَةٍ. فَيُقَالُ: وَمَا ظَنُّكُمْ أَوْ وَمَا ظَنُّهُمْ، فَعَدَلَ عَنْ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ بِالصِّلَةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ التَّرْدِيدَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَذِنَ لَهُمْ فِيمَا حَرَّمُوهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَرِينَ عَلَيْهِ قَدِ انْحَصَرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ كَوْنُهُمْ مُفْتَرِينَ إِذْ لَا مَسَاغَ لَهُمْ فِي ادِّعَاءِ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ، فَإِذَا تَعَيَّنَ أَنَّهُمْ مُفْتَرُونَ فَقَدْ صَارَ الِافْتِرَاءُ حَالَهُمُ الْمُخْتَصَّ بِهِمْ. وَفِي الْمَوْصُولِ إِيذَانٌ بِعِلَّةِ التَّعْجِيبِ مِنْ ظَنِّهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَحُذِفَ مَفْعُولَا الظَّنِّ لِقَصْدِ تَعْمِيمِ مَا يَصْلُحُ لَهُ، أَيْ مَا ظَنُّهُمْ بِحَالِهِمْ وَبِجَزَائِهِمْ وَبِأَنْفُسِهِمْ. وَانْتَصَبَ الْكَذِبَ عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ، وَاللَّامُ فِيهِ لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ، كَأَنَّهُ قِيلَ كَذِبًا، وَلَكِنَّهُ عُرِّفَ لِتَفْظِيعِ أَمْرِهِ، أَيْ هُوَ الْكَذِبُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ الْمُسْتَقْبَحِ فِي الْعُقُولِ.
ويَوْمَ الْقِيامَةِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَعَامِلُهُ الظَّنُّ، أَيْ مَا هُوَ ظَنُّهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَيْ إِذَا رَأَوُا الْغَضَبَ عَلَيْهِمْ يَوْمَئِذٍ مَاذَا يَكُونُ ظَنُّهُمْ أَنَّهُمْ لَاقُونِ، وَهَذَا تَهْوِيلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute