فِي طَالِعَةِ
سُورَةِ الْفَاتِحَةِ. وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ التَّقْدِيمَ لِلِاهْتِمَامِ بِضَمِيرِ الْجَلَالَةِ.
وَالْإِمْسَاءُ: حُلُولُ الْمَسَاءِ. وَالْإِصْبَاحُ: حُلُولُ الصَّبَاحِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ فالِقُ الْإِصْباحِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ [٩٦] . وَالْإِمْسَاءُ: اقْتِرَابُ غُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى الْعِشَاءِ، وَالصَّبَاحُ: أَوَّلُ النَّهَارِ. وَالْإِظْهَارُ: حُلُولُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَهُوَ نِصْفُ النَّهَارِ.
وَقَدِ اسْتُعْمِلَ الْإِفْعَالُ الَّذِي هَمْزَتُهُ لِلدُّخُولِ فِي الْمَكَانِ مِثْلَ: أَنْجَدَ، وَأَتْهَمَ، وَأَيْمَنَ، وَأَشْأَمَ فِي حُلُولِ الْأَوْقَاتِ مِنَ الْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ وَالظُّهْرِ تَشْبِيهًا لِذَلِكَ الْحُلُولِ بِالْكَوْنِ فِي الْمَكَانِ، فَيَكْثُرُ أَنْ يُقَالَ: أَصْبَحَ وَأَضْحَى وَأَمْسَى وَأَعْتَمَ وَأَشْرَقَ، قَالَ تَعَالَى فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ [الشُّعَرَاء: ٦٠] .
وَالْعَشِيُّ: مَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ فِي سُورَة الْأَنْعَام [٥٢] .
[١٩]
[سُورَة الرّوم (٣٠) : آيَة ١٩]
يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَكَذلِكَ تُخْرَجُونَ (١٩)
هَذِهِ الْجُمْلَةُ بَدَلٌ مِنْ جملَة اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ [الرّوم: ١١] . وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ مُوقِعَ الْعلَّة لجملة فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ [الرّوم: ١٧] وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا، أَيْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلتَّسْبِيحِ وَالْحَمْدِ لِتَصَرُّفِهِ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِالْإِيجَادِ الْعَجِيبِ وَبِالْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَاخْتِيرَ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ الْعَظِيمَةِ تَصَرُّفُ الْإِحْيَاءِ وَالْإِمَاتَةِ فِي الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ لِأَنَّهُ تَخَلَّصٌ لِلْغَرَضِ الْمَقْصُودِ مِنْ إِثْبَاتِ الْبَعْثِ رَدًّا لِلْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْله اللَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الرّوم: ١١] .
فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْأَمْرَ بِتَسْبِيحِهِ وَحَمْدِهِ مَعْلُولٌ بِأَمْرَيْنِ: إِيفَاءُ حَقِّ شُكْرِهِ الْمُفَادِ بِفَاءِ التَّفْرِيعِ فِي قَوْلِهِ فَسُبْحانَ اللَّهِ [الرّوم: ١٧] ، وَإِيفَاءُ حَقِّ التَّعْظِيمِ وَالْإِجْلَالِ، وَالْمَقْصُودُ هُوَ إِخْرَاجُ الْحَيِّ مِنَ الْمَيِّتِ. وَأَمَّا عَطْفُ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ فَلِلِاحْتِرَاسِ مِنِ اقْتِصَارِ قُدْرَتِهِ عَلَى بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ وَلِإِظْهَارِ عَجِيبِ قُدْرَتِهِ أَنَّهَا تَفْعَلُ الضِّدَّيْنِ. وَفِي الْآيَةِ الطِّبَاقُ. وَهَذَا الْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَعْرِيضٌ بِالرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute