للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الِاهْتِمَامِ لِوُرُودِ فَاعْبُدِ اللَّهَ، قَالَ فِي «إِيضَاحِ الْمُفَصَّلِ» فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ «الْمُفَصَّلِ» فِي الدِّيبَاجَةِ «اللَّهَ أَحْمَدُ عَلَى أَنْ جَعَلَنِي مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ» ، اللَّهَ أَحْمَدُ عَلَى طَرِيقَةِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ [الْفَاتِحَة: ٥] تَقْدِيمًا لِلْأَهَمِّ، وَمَا قِيلَ:

إِنَّهُ لِلْحَصْرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالتَّمَسُّكِ فِيهِ بِنَحْوِ بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ [الزمر: ٦٦] ضَعِيفٌ لِوُرُودِ

فَاعْبُدِ اللَّهَ اهـ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ كَتَبَ فِي «حَاشِيَتِهِ عَلَى الْإِيضَاحِ» هُنَالِكَ قَوْلَهُ: (لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحَصْرِ فَإِنَّ الْمَعْبُودِيَّةَ مِنْ صِفَاتِهِ تَعَالَى الْخَاصَّةِ بِهِ، فَالِاخْتِصَاصُ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْحَالِ لَا مِنَ التَّقْدِيمِ) اهـ.

وَهُوَ ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى مَنْعِ دَلِيلٍ شَهِدَ بِهِ الذَّوْقُ السَّلِيمُ عِنْدَ أَيِمَّةِ الِاسْتِعْمَالِ وَعَلَى سَنَدِ مَنْعِهِ بِتَوَهُّمِهِ أَنَّ التَّقْدِيمَ الَّذِي لُوحِظَ فِي مَقَامٍ يَجِبُ أَنْ يُلَاحَظَ فِي كُلِّ مَقَامٍ، كَأَنَّ الْكَلَامَ قد جعل قوالب يُؤْتَى بِهَا فِي كُلِّ مَقَامٍ، وَذَلِكَ يَنْبُو عَنْهُ اخْتِلَافُ الْمَقَامَاتِ الْبَلَاغِيَّةِ، حَتَّى جُعِلَ الِاخْتِصَاصُ بِالْعِبَادَةِ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقَرِينَةِ لَا مِنَ التَّقْدِيمِ، كَأَنَّ الْقَرِينَةَ لَوْ سُلِّمَ وَجُودُهَا تَمْنَعُ مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى دَلَالَةِ النُّطْقِ.

[٣]

[سُورَة الزمر (٣٩) : آيَة ٣]

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣)

أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ اسْتِئْنَافٌ لِلتَّخَلُّصِ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى الْإِفْرَادَ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ غَرَضُ السُّورَةِ وَأَفَادَ التَّعْلِيلَ لِلْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ الْخَالصَةِ لِلَّهِ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الدِّينُ الْخَالصُ مُسْتَحَقًّا لِلَّهِ وَخَاصًّا بِهِ كَانَ الْأَمْرُ بِالْإِخْلَاصِ لَهُ مُصِيبًا مَحَزَّهُ فَصَارَ أَمْرُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ مُسَبَّبًا عَنْ نِعْمَةِ إِنْزَالِ الْكِتَابِ إِلَيْهِ وَمُقْتَضًى لِكَوْنِهِ مُسْتَحِقَ الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ اقْتِضَاء الْكُلية لجزئياتها.

وَبِهَذَا الْعُمُومِ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ مَعْنَى التَّذْيِيلِ فَتَحَمَّلَتْ ثَلَاثَةَ مَوَاقِعَ كُلَّهَا تَقْتَضِي الْفَصْلَ.

وَافْتُتِحَتِ الْجُمْلَةُ بِأَدَاةِ التَّنْبِيهِ تَنْوِيهًا بِمَضْمُونِهَا لِتَتَلَقَّاهُ النَّفْسُ بِشَرَاشِرِهَا وَذَلِكَ هُوَ مَا رَجَّحَ اعْتِبَارَ الِاسْتِئْنَافِ فِيهَا، وَجَعَلَ مَعْنَى التَّعْلِيلَ حَاصِلًا تَبَعًا مِنْ ذِكْرِ إِخْلَاصٍ عَامٍّ بَعْدَ إِخْلَاصٍ خَاصٍّ وَمَوْرِدُهُمَا وَاحِدٌ.

وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ لَامُ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِحْقَاقِ، أَيْ لَا يَحِقُّ الدِّينُ الْخَالصُ، أَيْ الطَّاعَةُ غَيْرُ الْمَشُوبَةِ إِلَّا لَهُ عَلَى نَحْوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ [الْفَاتِحَة: ٢] .