وَاسْمُ الْإِسْلامِ عَلَمٌ لِلدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النبيء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ جَامِعٌ لِمَا فِيهِ خَيْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَ ذِكْرُ هَذَا الِاسْمِ فِي الْجُمْلَةِ الْحَالِيَّةِ زِيَادَةً فِي تَشْنِيعِ حَالِ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنْهُ، أَيْ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى مَا فِيهِ خَيْرُهُ وَبِذَلِكَ حَقَّ عَلَيْهِ وَصْفُ أَظْلَمُ.
وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ تَأْيِيسٌ لَهُمْ مِنَ الْإِقْلَاعِ عَنْ هَذَا الظُّلْمِ، أَيْ أَنَّ الَّذِينَ بَلَغُوا هَذَا الْمَبْلَغَ مِنَ الظُّلْمِ لَا طَمَعَ فِي صَلَاحِهِمْ لِتَمَكُّنِ الْكُفْرِ مِنْهُمْ حَتَّى خَالَطَ سَجَايَاهُمْ وَتَقَوَّمَ مَعَ قَوْمِيَّتِهِمْ، وَلِذَلِكَ أَقْحَمَ لَفْظَ الْقَوْمَ لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الظُّلْمَ بَلَغَ حَدَّ أَنْ صَارَ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [١٦٤] . وَتَقَدَّمَ غَيْرُ مَرَّةٍ.
وَهَذَا يَعُمُّ الْمُخْبَرَ عَنْهُمْ وَأَمْثَالَهُمُ الَّذِينَ افْتَرَوْا عَلَى عِيسَى، فَفِيهَا مَعْنَى التَّذْيِيلِ.
وَأُسْنِدَ نَفْيُ هَدْيِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ سَبَبَ انْتِفَاءِ هَذَا الْهَدْيِ عَنْهُمْ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ تَكْوِينِ عُقُولِهِمْ وَمَدَارِكِهِمْ عَلَى الْمُكَابَرَةِ بِأَسْبَابِ التَّكْوِينِ الَّتِي أَوْدَعَهَا اللَّهُ فِي نِظَامِ تَكَوُّنِ الْكَائِنَاتِ وَتَطَوُّرِهَا مِنَ ارْتِبَاطِ الْمُسَبِّبَاتِ بِأَسْبَابِهَا مَعَ التَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يَتَدَارَكُ أَكْثَرَهُمْ بِعِنَايَتِهِ، فَمُغَيِّرٌ فِيهِمْ بَعْضَ الْقُوَى الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنَ الْهُدَى غَضَبًا عَلَيْهِمْ إِذْ لَمْ يُخْلِفُوا بِدَعْوَةٍ تَسْتَحِقُّ التَّبَصُّرَ بِسَبَبِ نِسْبَتِهَا إِلَى جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَتَمَيَّزَ لَهُمُ الصِّدْقُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْحَقُّ من الْبَاطِل.
[٨]
[سُورَة الصَّفّ (٦١) : آيَة ٨]
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨)
اسْتِئْنَاف بياني ناشىء عَنِ الْإِخْبَارِ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمُ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ فِي حَالِ أَنهم يدعونَ إِلَّا الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ يُثِيرُ سُؤَالَ سَائِلٍ عَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى هَذَا الِافْتِرَاءِ. فَأُجِيبُ بِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُخْفُوا الْإِسْلَامَ عَنِ النَّاسِ ويعوقوا انتشاره ومثلث حَالَتُهُمْ بِحَالَةِ نَفَرٍ يَبْتَغُونَ الظَّلَامَ لِلتَّلَصُّصِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُرَادُ فِيهِ الِاخْتِفَاءُ.
فَلَاحَتْ لَهُ ذُبَالَةُ مِصْبَاحٍ تُضِيءُ لِلنَّاسِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ وَخَشُوا أَنْ يَشِعَّ نُورُهُ عَلَى النَّاسِ فَتَفْتَضِحَ تُرَّهَاتُهُمْ، فَعَمَدُوا إِلَى إِطْفَائِهِ بِالنَّفْخِ عَلَيْهِ فَلم ينطفىء،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute