وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ تَسْتَعْجِلُونَ أَيْ تَسْتَعْجِلُون بِهِ.
[٧٣]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٧٣]
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ (٧٣)
مَوْقِعُ هَذَا مَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى قَوْلِهِ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ [النَّمْل: ٧٢] أَيْ أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَذَابِ عَنْهُمْ هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا خَبَرٌ خَاصٌّ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْوَعِيدِ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِأَنَّ أَزْمِنَةَ التَّأْخِيرِ أَزْمِنَةُ إِمْهَالٍ فَهُمْ فِيهَا بِنِعْمَةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ. وَقَدْ كُنَّا قَدَّمْنَا مَسْأَلَةَ أَنَّ نِعْمَةَ الْكَافِرِ نِعْمَةٌ حَقِيقِيَّةٌ أَوْ لَيْسَتْ نِعْمَةً وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَشْعَرِيِّ وَالْمَاتُرِيدِيِّ.
وَالتَّعْبِير ب لَذُو فَضْلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفضل من شؤونه. وَتَنْكِيرُ فَضْلٍ لِلتَّعْظِيمِ.
وَالتَّأْكِيدُ بِ إِنَّ وَاللَّامِ مَنْظُورٌ فِيهِ إِلَى حَالِ النَّاسِ لَا إِلَى حَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالتَّأْكِيدُ وَاقع موقع التَّعْرِيض بِهِمْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ.
ولَكِنَّ اسْتِدْرَاك ناشىء عَنْ عُمُومِ الْفَضْلِ مِنْهُ تَعَالَى فَإِنَّ عُمُومَهُ وَتَكَرُّرَهُ يَسْتَحِقُّ بِأَنْ يَعْلَمَهُ النَّاسُ فَيَشْكُرُوهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ كَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا مَتى هذَا الْوَعْدُ [النَّمْل: ٧١] فَإِنَّهُمْ يَسْتَعْجِلُونَ الْعَذَابَ تَهَكُّمًا وَتَعْجِيزًا فِي زَعْمِهِمْ غَيْرَ قَادِرِينَ قدر نعْمَة الْإِمْهَال.
[٧٤]
[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ٧٤]
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٧٤)
مَوْقِعُ هَذَا مَوْقِعُ الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ [النَّمْل: ٧٣] يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نُفُوسِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ قَدْ أَضْمَرُوا الْمَكْرَ وَأَعْلَنُوا الِاسْتِهْزَاءَ فَحَالُهُمْ لَا يَقْتَضِي إِمْهَالَهُمْ؟ فَيُجَابُ بِأَنَّ الَّذِي أَمْهَلَهُمْ مُطَّلِعٌ عَلَى مَا فِي صُدُورِهِمْ وَمَا أَعْلَنُوهُ وَأَنَّهُ أَمْهَلَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ لِحِكْمَةٍ يَعْلَمُهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute