وَ (مِنْ) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ لِلسَّبَبِيَّةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ الْعَطْفِ وَحَرْفُ الْجَرِّ بَعْدَهُ إِذْ لَا بُدَّ لِحَرْفِ الْجَرِّ مِنْ مُتَعَلِّقٍ. وَتَقْدِيرُهُ:
وَيَحْمِلُوا. وَمَفْعُولُ الْفِعْلِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْعُولُ نَظِيرِهِ. وَالتَّقْدِيرُ: وَيَحْمِلُوا أَوْزَارًا نَاشِئَةً عَنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ، أَيْ نَاشِئَةً لَهُمْ عَنْ تَسَبُّبِهِمْ فِي ضَلَالِ الْمُضَلَّلِينَ- بِفَتْحِ اللَّامِ-،
فَإِنَّ تَسَبُّبَهُمْ فِي الضَّلَالِ يَقْتَضِي مُسَاوَاةَ الْمُضَلَّلِ لِلضَّالِّ فِي جَرِيمَةِ الضَّلَالِ، إِذْ لَوْلَا إِضْلَالُهُ إِيَّاهُ لَاهْتَدَى بِنَظَرِهِ أَوْ بِسُؤَالِ النَّاصِحِينَ.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا»
. وبِغَيْرِ عِلْمٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ النَّصْبِ فِي يُضِلُّونَهُمْ، أَيْ يُضِلُّونَ نَاسًا غَيْرَ عَالِمِينَ يَحْسَبُونَ إِضْلَالَهُمْ نُصْحًا. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْحَالِ تَفْظِيعُ التَّضْلِيلِ لَا تَقْيِيدُهُ فَإِنَّ التَّضْلِيلَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ عَدَمِ عِلْمٍ كُلًّا أَوْ بَعْضًا.
وَجُمْلَةُ أَلا ساءَ مَا يَزِرُونَ تَذْيِيلٌ. افْتُتِحَ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ اهْتِمَامًا بِمَا تَتَضَمَّنُهُ لِلتَّحْذِيرِ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ أَوْ للإقلاع عَنهُ.
[٢٦]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٢٦]
قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٦)
لَمَّا ذَكَرَ عَاقِبَةَ إِضْلَالِهِمْ وَصَدِّهِمُ السَّائِلِينَ عَنِ الْقُرْآنِ وَالْإِسْلَامِ فِي الْآخِرَةِ أَتْبَعَ بِالتَّهْدِيدِ بِأَنْ يَقَعَ لَهُمْ مَا وَقَعَ فِيهِ أَمْثَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخِزْيِ وَالْعَذَابِ مَعَ التَّأْيِيسِ مِنْ أَنْ يَبْلُغُوا بِصُنْعِهِمْ ذَلِكَ مَبْلَغَ مُرَادِهِمْ، وَأَنَّهُمْ خَائِبُونَ فِي صُنْعِهِمْ كَمَا خَابَ مِنْ قَبْلِهِمُ الَّذِينَ مَكَرُوا بِرُسُلِهِمْ.
وَلَمَّا كَانَ جَوَابُهُمُ السَّائِلِينَ عَنِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ هُوَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [سُورَة النَّحْل:
٢٤] مُظْهِرِينَهُ بِمَظْهَرِ النَّصِيحَةِ وَالْإِرْشَادِ وَهُمْ يُرِيدُونَ الِاسْتِبْقَاءَ عَلَى كُفْرِهِمْ، سُمِّيَ ذَلِكَ