وَكُلُّ ذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى تَمْثِيلِ حَالَةِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ التَّخَلُّصَ مِنْ وَعِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ بِهَيْئَةِ مَنِ احْتُبِسَ بِمَكَانٍ لَا يَسْتَطِيعُ تَجَاوُزَهُ إِلَى الْأَمَامِ وَلَا إِلَى الوراء.
[٣٥، ٣٦]
[سُورَة الْأَعْرَاف (٧) : الْآيَات ٣٥ إِلَى ٣٦]
يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٣٦)
يَجِيءُ فِي مَوْقِعِ هَذِهِ الْجُمْلَةِ: مِنَ التَّأْوِيلِ، مَا تقدّم فِي الْقَوْلِ فِي نَظِيرَتِهَا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ [الْأَعْرَاف: ٢٦] .
وَالتَّأْوِيلُ الَّذِي اسْتَظْهَرْنَا بِهِ هُنَالِكَ يَبْدُو فِي هَذِهِ النَّظِيرَةِ الرَّابِعَةِ أَوْضَحَ. وَصِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: رُسُلٌ- وَقَوْلِهِ- يَقُصُّونَ تَقْتَضِي تَوَقُّعَ مَجِيءِ عِدَّةِ رُسُلٍ، وَذَلِكَ مُنْتَفٍ بَعْدَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ الْخَاتِمِ لِلرُّسُلِ الْحَاشِرِ الْعَاقِبِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَذَلِكَ يَتَأَكَّدُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِطَابُ لِبَنِي آدَمَ الْحَاضِرِينَ وَقْتَ نُزُولِ الْقُرْآنِ، وَيُرَجِّحُ أَنْ تكون هَذِه النّداآت الْأَرْبَعَةُ حِكَايَةً لِقَوْلٍ مُوَجَّهٍ إِلَى بَنِي آدَمَ الْأَوَّلِينَ الَّذِي أَوَّلُهُ: قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ [الْأَعْرَاف: ٢٥] .
قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: «وَكَأَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأُمَمِ، قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، هُوَ مُتَمَكِّنٌ لَهُمْ،
وَمُتَحَصِّلٌ مِنْهُ لحاضري محمّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا حُكْمُ اللَّهِ فِي الْعَالَمِ مُنْذُ أَنْشَأَهُ» يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ أَبْلَغَ النَّاسَ هَذَا الْخِطَابَ عَلَى لِسَانِ كُلِّ نَبِيءٍ، مِنْ آدَمَ إِلَى هَلُمَّ جَرًّا، فَمَا مِنْ نَبِيءٍ أَوْ رَسُولٍ إِلَّا وَبَلَّغَهُ أُمَّتَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute