فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [٧] . وَتَقْدِيمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ على الْأَفْئِدَةَ هُنَا عَكْسَ آيَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّهُ رُوعِيَ هُنَا تَرْتِيبُ حُصُولِهَا فِي الْوُجُودِ فَإِنَّهُ يَكْتَسِبُ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْمُبْصِرَاتِ قَبْلَ اكْتِسَابِ التَّعَقُّلِ.
وقَلِيلًا اسْمُ فَاعِلٍ مُنْتَصِبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ لَكُمُ، وَمَا تَشْكُرُونَ فِي تَأْوِيلِ مَصْدَرٍ وَهُوَ مُرْتَفِعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ بِ قَلِيلًا، أَيْ: أَنْعَمَ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ النِّعَمِ الْجَلِيلَةِ وَحَالُكُمْ قِلَّةُ الشُّكْرِ. ثُمَّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مُسْتَعْمَلًا فِي حَقِيقَتِهِ وَهِيَ كَوْنُ الشَّيْءِ حَاصِلًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ كَثِيرٍ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنِ الْعَدَمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا [النِّسَاء: ٤٦] . وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ يَحْصُلُ التَّوْبِيخُ لِأَنَّ النِّعَمَ الْمُسْتَحِقَّةَ لِلشُّكْرِ وَافِرَةٌ دَائِمَةٌ فَالتَّقْصِيرُ فِي شُكْرِهَا وَعَدَمُ الشُّكْر سَوَاء.
[١٠]
[سُورَة السجده (٣٢) : آيَة ١٠]
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠)
الْوَاوُ لِلْحَالِ، وَالْحَالُ لِلتَّعْجِيبِ مِنْهُمْ كَيْفَ أَحَالُوا إِعَادَةَ الْخَلْقِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ النَّشْأَةَ الْأُولَى، وَلَيْسَتِ الْإِعَادَةُ بِأَعْجَبَ مِنْ بَدْءِ الْخَلْقِ وَخَاصَّةً بَدْءَ خَلْقِ آدَمَ عَنْ عَدَمٍ، وَخُلُوُّ الْجُمْلَةِ الْمَاضَوِيَّةِ عَنْ حَرْفِ (قَدْ) لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهَا حَالًا عَلَى التَّحْقِيقِ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَإِذا ضَلَلْنا لِلتَّعَجُّبِ وَالْإِحَالَةِ، أَيْ أَظْهَرُوا فِي كَلَامِهِمُ اسْتِبْعَادَ الْبَعْثِ بَعْدَ فَنَاءِ الْأَجْسَادِ وَاخْتِلَاطِهَا بِالتُّرَابِ، مُغَالَطَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَرْوِيجًا لِكُفْرِهِمْ.
وَالضَّلَالُ: الْغِيَابُ، وَمِنْهُ: ضَلَالُ الطَّرِيقِ، وَالضَّالَّةُ: الدَّابَّةُ الَّتِي ابْتَعَدَتْ عَنْ أَهْلِهَا فَلَمْ يُعْرَفْ مَكَانُهَا. وَأَرَادُوا بِذَلِكَ إِذَا تَفَرَّقَتْ أَجْزَاءُ أَجْسَادِنَا فِي خِلَالِ الْأَرْضِ وَاخْتَلَطَتْ بِتُرَابِ الْأَرْضِ. وَقِيلَ: الضَّلَالُ فِي الْأَرْضِ: الدُّخُولُ فِيهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُقَالُ: أَضَلَّ النَّاسُ الْمَيِّتَ، أَيْ: دَفَنُوهُ. وَأَنْشَدُوا قَوْلَ النَّابِغَةِ فِي رِثَاءِ النُّعْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ الْغَسَّانِيِّ:
فَآبَ مُضِلُّوهُ بِعَيْنٍ جَلِيَّةٍ ... وَغُودِرَ بِالْجَوْلَانِ حَزْمٌ وَنَائِلُ
وَقَرَأَهُ نَافِعٌ وَالْكسَائِيّ وَيَعْقُوب: إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute