وَفِي ذِكْرِ أَشْرَفِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَقَلِّهَا تَعْرِيضٌ بِذَمِّ مَنْ نَزَلَ مِنَ الْبَشَرِ عَنْ مَرْتَبَةِ الدَّوَابِّ فِي كُفْرَانِ الْخَالِقِ، وَبِمَدْحِ مَنْ شَابَهَ مِنَ الْبَشَرِ حَالَ الْمَلَائِكَةِ.
وَفِي جَعْلِ الدَّوَابِّ وَالْمَلَائِكَةِ مَعْمُولَيْنِ لِ يَسْجُدُ اسْتِعْمَالٌ لِلَفْظٍ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.
وَوَصْفُ الْمَلَائِكَةِ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَعْرِيضٌ بِبُعْدِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ أَوْجِ تِلْكَ الْمَرْتَبَةِ الْمَلَكِيَّةِ. وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمَلائِكَةُ.
وَجُمْلَةُ يَخافُونَ رَبَّهُمْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ.
وَالْفَوْقِيَّةُ فِي قَوْلِهِ: مِنْ فَوْقِهِمْ فَوْقِيَّةُ تَصَرُّفٍ وَمِلْكٍ وَشَرَفٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [سُورَة الْأَنْعَام: ١٨] وَقَوْلِهِ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ [سُورَة الْأَعْرَاف:
١٢٧] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، أَيْ يُطِيعُونَ وَلَا تَصْدُرُ مِنْهُمْ مُخَالَفَةٌ.
وَهُنَا مَوضِع سُجُود للقارىء بِالِاتِّفَاقِ. وَحِكْمَتُهُ هُنَا إِظْهَارُ الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ مِنَ الْفَرِيقِ
الْمَمْدُوحِ بِأَنَّهُ مُشَابِهٌ لِلْمَلَائِكَةِ فِي السُّجُودِ لله تَعَالَى.
[٥١]
[سُورَة النَّحْل (١٦) : آيَة ٥١]
وَقالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٥١)
لَمَّا أُشْبِعَ الْقَوْلُ فِي إِبْطَالِ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ الشَّائِعِ فِي جَمِيعِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَأُتْبِعَ بِإِبْطَالِ الِاخْتِلَاقِ عَلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، نُقِلَ الْكَلَامُ إِلَى إِبْطَالِ نَوْعٍ آخَرَ مِنَ الشِّرْكِ مُتَّبَعٍ عِنْدَ قَبَائِلَ مِنَ الْعَرَبِ وَهُوَ الْإِشْرَاكُ بِإِلَهِيَّةِ أَصْلَيْنِ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، تَقَلَّدَتْهُ قَبَائِلُ الْعَرَبِ الْمُجَاوِرَةُ بِلَادُ فَارِسَ وَالسَّارِي فِيهِمْ سُلْطَانُ كِسْرَى وَعَوَائِدُهُمْ، مِثْلُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَبَنِي تَمِيمٍ، فَقَدْ دَانَ مِنْهُمْ كَثِيرٌ بِالْمَجُوسِيَّةِ، أَيِ الْمَزْدَكِيَّةِ وَالْمَانَوِيَّةِ فِي زَمَنِ كِسْرَى أَبْرُويِشَ وَفِي زَمَنِ كِسْرَى أَنُوشُرْوَانَ، وَالْمَجُوسِيَّةُ تُثْبِتُ عَقِيدَةً بِإِلَهَيْنِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute