للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالتَّعَلُّقِ بِتَصَرُّفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ إِحَاطَةِ الظَّرْفِ بِالْمَظْرُوفِ أَوْ بِأَسْئِلَةِ الْمَخْلُوقَاتِ الَّذِينَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.

وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ تَعَالَى كُلُّ يَوْمٍ تَتَعَلَّقُ قُدْرَتُهُ بِأُمُورٍ يُبْرِزُهَا وَيَتَعَلَّقُ أَمْرُهُ التَّكْوِينِيُّ بِأُمُورٍ مِنْ إِيجَادٍ وإعدام.

وَمِنْ أَحَاسِنِ الْكَلِمِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ (١) لَمَّا سَأَلَهُ عَبْدُ

اللَّهِ بْنُ طَاهِرٍ (٢) قَائِلًا: قَدْ أَشْكَلَ عَلَيَّ قَوْلُهُ هَذَا: وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الْقَلَمَ جَفَّ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: «إِنَّهَا شؤون يبديها لَا شؤون يَبْتَدِيهَا» وَقَدْ أَجْمَلَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْجَوَابَ بِمَا يُقْنِعُ أَمْثَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاهِرٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِشْكَالُ غَيْرَ وَارِدٍ إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَة أَن الشؤون تُخَالِفُ مَا سَطَرَهُ قَلَمُ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ، عَلَى أَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَجْرِي إِلَّا عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ كَمَا علمت آنِفا.

[٣٠]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٣٠]

فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠)

تَكْرِير لنظائره.

[٣١]

[سُورَة الرَّحْمَن (٥٥) : آيَة ٣١]

سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١)

هَذَا تَخَلُّصٌ مِنَ الْاِعْتِبَارِ بِأَحْوَالِ الْحَيَاةِ الْعَاجِلَةِ إِلَى التَّذْكِيرِ بِأَحْوَالِ الْآخِرَةِ وَالْجَزَاءِ فِيهَا انْتَقَلَ إِلَيْهِ بِمُنَاسَبَةِ اشْتِمَالِ مَا سَبَقَ مِنْ دَلَائِلَ سَعَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، عَلَى تَعْرِيضٍ بِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ أَهْلٌ لِلتَّوْحِيدِ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَمُسْتَحَقُّ الْإِفْرَادِ بِالْعِبَادَةِ، وَإِذْ قَدْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ مُشْرِكِينَ مَعَ اللَّهِ فِي الْعِبَادَةِ انْتَقَلَ إِلَى تَهْدِيدِهِمْ بِأَنَّهُمْ وَأَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الْجِنِّ الْمُسَوِّلِينَ لَهُمْ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ سَيُعْرَضُونَ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ فِيهِمْ.


(١) تقدّمت تَرْجَمته عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى: خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ [الرَّحْمَن: ١٤] .
(٢) هُوَ من رجال دولة الْمَأْمُون، ولي خُرَاسَان. وَولي الشَّام ومصر توفّي سنة ٢٣١ هـ وعمره ثَمَان وَأَرْبَعُونَ سنة، وَهُوَ ممدوح أبي تَمام.