[سُورَة يس (٣٦) : آيَة ٣٨]
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨)
الشَّمْسُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْطُوفًا عَلَى اللَّيْلُ مِنْ قَوْلِهِ: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ [يس:
٣٧] عَطْفَ مُفْرَدٍ عَلَى مُفْرِدٍ وَيُقَدَّرُ لَهُ خَبَرٌ مُمَاثِلٌ لِخَبَرِ اللَّيْلِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَالشَّمْسُ آيَةٌ لَهُمْ، وَتَكُونُ جُمْلَةُ تَجْرِي حَالًا مِنَ الشَّمْسُ مِثْلُ جُمْلَةِ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧] .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: تَجْرِي خَبَرًا عَن الشَّمْسُ. وأيّاما كَانَ فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِإِجْمَالِ جُمْلَةِ وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ [يس: ٣٧] إِلْخَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ [يس: ٤٠] ، وَكَانَ مُقْتَضَى
الظَّاهِرِ مِنْ كَوْنِهِ تَفْصِيلًا أَنْ لَا يُعْطَفَ فَيُقَالَ: الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا، فَخُولِفَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ لِأَنَّ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ آيَةً خَاصَّةً وَهِيَ آيَةُ سَيْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
وَقُدِّمَ التَّنْبِيهُ عَلَى آيَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَالِكَ فَكَانَتْ آيَةُ الشَّمْسِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا مُرَادًا بِهَا دَلِيلٌ آخَرَ عَلَى عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ نِظَامُ الْفُصُولِ.
وَجُمْلَةُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يحْتَمل الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي جملَة أَحْيَيْناها [يس:
٣٣] مِنْ كَوْنِهَا حَالًا أَوْ بَيَانًا لِجُمْلَةِ وَآيَةٌ لَهُمُ [يس: ٣٧] أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ وَآيَةٌ.
وَالْجَرْيُ حَقِيقَتُهُ: السّير السَّرِيع وَهُوَ لِذَوَاتِ الْأَرْجُلِ، وَأُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى تَنَقُّلِ الْجِسْمِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ تَنَقُّلًا سَرِيعًا بِالنِّسْبَةِ لِتَنَقُّلِ أَمْثَالِ ذَلِكَ الْجِسْمِ، وَغَلَبَ هَذَا الْإِطْلَاقُ فَسَاوَى الْحَقِيقَةَ وَأُرِيدَ بِهِ السَّيْرُ فِي مَسَافَاتٍ مُتَبَاعِدَةٍ جِدَّ التَّبَاعُدِ فَتَقْطَعُهَا فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِتَبَاعُدِ الْأَرْضِ حَوْلَ الشَّمْسِ. وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ بِآثَارِ ذَلِكَ السَّيْرِ الْمَعْرُوفَةِ لِلنَّاسِ مَعْرِفَةً إِجْمَالِيَّةً بِمَا يَحْسِبُونَ مِنَ الْوَقْتِ وَامْتِدَادِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ لِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِمُرَاقَبَةِ أَحْوَالِهَا مِنْ خَاصَّةِ النَّاسِ وَهُمُ الَّذِينَ يَرْقُبُونَ مَنَازِلَ تَنَقُّلِهَا الْمُسَمَّاةِ بِالْبُرُوجِ الِاثْنَيْ عَشَرَ، وَالْمَعْرُوفَةِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْهَيْئَةِ تَفْصِيلًا وَاسْتِدْلَالًا وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مُخَاطَبُونَ بِالِاعْتِبَارِ بِمَا بَلَغَهُ عِلْمُهُمْ.
وَالْمُسْتَقَرُّ: مَكَانُ الِاسْتِقْرَارِ، أَيِ الْقَرَارُ أَوْ زَمَانُهُ، فَالسِّينُ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّأْكِيدِ مِثْلُ:
اسْتَجَابَ بِمَعْنَى أَجَابَ.